البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٦٣
المنافقون، يثبطون إخوانهم من ساكني المدينة من أنصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقولون : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان، فخلوهم. وقيل : هم اليهود، كانوا يقولون لأهل المدينة : تعالوا إلينا وكونوا معنا. وقال ابن زيد : انصرف رجل من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يوم الأحزاب، فوجد شقيقه عنده سويق ونبيذ، فقال : أنت هاهنا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين الرماح والسيوف؟ فقال : هلم إليه، فقد أحيط بك وبصاحبك. والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا، فقال : كذبت والذي يحلف به، ولأخبرنه بأمرك. فذهب ليخبره، فوجد جبريل قد نزل بهذه الآية.
وقال ابن السائب : هي في عبد اللّه بن أبيّ، ومعتب بن قشير، ومن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة. فإذا جاءهم المنافق قالوا له : ويحك اجلس ولا تخرج، ويكتبون إلى إخوانهم في العسكر أن ائتونا فإنا ننتظركم. وكانوا لا يأتون العسكر إلا أن يجدوا بدا من إتيانه، فيأتون ليرى الناس وجوههم، فإذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة، فنزلت. وتقدم الكلام في هَلُمَّ «١» في أواخر الأنعام.
وقال الزمخشري : وهلموا إلينا، أي قربوا أنفسكم إلينا، قال : وهو صوت سمي به فعل متعد مثل : احضر واقرب. انتهى.
والذي عليه النحويون أن هلم ليس صوتا، وإنما هو مركب مختلف في أصل تركيبه فقيل : هو مركب من ها التي للتنبيه ولم، وهو مذهب البصريين. وقيل : من هل وأم، والكلام على ترجيح المختار منهما مذكور في النحو. وأما قوله : سمي به فعل متعد، ولذلك قدر هَلُمَّ إِلَيْنا : أي قربوا أنفسكم إلينا والنحويون : أنه متعد ولازم فالمتعدي كقوله : قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ «٢» : أي احضروا شهداءكم، واللازم كقوله : هَلُمَّ إِلَيْنا، وأقبلوا إلينا. وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ : أي القتال، إِلَّا قَلِيلًا. يخرجون مع المؤمنين، يوهمونهم أنهم معهم، ولا نراهم يقاتلون إلا شيئا قليلا إذا اضطروا إليه، كقوله : ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا. وقلته إما لقصر زمانه، وإما لقلة عقابه، وإنه رياء وتلميع لا تحقيق.
أَشِحَّةً : جمع شحيح، وهو البخيل، وهو جمع لا ينقاس، وقياسه في الصفة المضعفة العين واللام فعلاء نحو : خليل وأخلاء فالقياس أشحاء، وهو مسموع أيضا، ومتعلق الشح بأنفسهم، أو بأحوالهم، أو بأموالهم في النفقات في سبيل اللّه، أو بالغنيمة عند القسم، أقوال. والصواب : أن يعم شحهم كل ما فيه منفعة للمؤمنين. وقال الزمخشري : أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ في وقت الحرب، أضناء بكم، يترفرفون عليكم، كما يفعل

(١) سورة الأنعام : ٦/ ١٥٠.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ١٥٠.


الصفحة التالية
Icon