البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٢١
يعلمون القرآن المنزل عليك هو الحق. وقيل : ويرى منصوب عطفا على ليجزي، وقاله الطبري والثعلبي وتقدّم الخلاف في الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ في ذلك المكان الذي نزلت فيه هذه السورة. وقال الزمخشري : أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق علما لا يزاد عليه في الاتفاق، ويحتجوا به على الذين كفروا وتولوا. ويجوز أن يريد : وليعلم من لم يؤمن من الأخيار أنه هو الحق، فيزداد حسرة وغما. انتهى. وإنما قال : عند مجيء الساعة، لأنه علق ليجزي بقوله : لَتَأْتِيَنَّكُمْ، فبنى التخريج على ذلك. وقرأ الجمهور :
الحق بالنصب، مفعولا ثانيا ليرى، وهو فصل وابن أبي عبلة : بالرفع جعل هو مبتدأ والحق خبره، والجملة في موضع المفعول الثاني ليرى، وهو لغة تميم، يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ، قاله أبو عمر الجرمي. والظاهر أن الفاعل ليهدي هو ضمير الذي أنزل، وهو القرآن، وهو استئناف إخبار. وقيل : هو في موضع الحال على إضمار، وهو يهدي، ويجوز أن يكون معطوفا على الحق، عطف الفعل على الاسم، كقوله : صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ «١»، أي قابضات، كما عطف الاسم على الفعل في قوله :
فألفيته يوما يبير عدوه وبحر عطاء يستحق المعابرا
عطف وبحر على يبير، وقيل : الفاعل بيهدي ضمير عائد على اللّه، وفيه بعد. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : هم قريش، قال بعضهم لبعض على جهة التعجب والاستهزاء، كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه : هل أدلك على قصة غريبة نادرة؟ لما كان البعث عندهم من المحال، جعلوا من يخبر عن وقوعه في حيز من يتعجب منه، وأتوا باسمه، عليه السلام، نكرة في قوله : هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ؟ وكان اسمه أشهر علم في قريش، بل في الدنيا، وإخباره بالبعث أشهر خبر، لأنهم أخرجوا ذلك مخرج الاستهزاء والتحلي ببعض الأحاجي المعمولة للتلهي والتعمية، فلذلك نكروا اسمه. وقرأ الجمهور : يُنَبِّئُكُمْ بالهمز وزيد بن علي :
بإبدال الهمزة ياء محضة. وحكى عنه الزمخشري : ينبئكم، بالهمز من أنبأ، وإذا جوابها محذوف تقديره : تبعثون، وحذف لدلالة ما بعده عليه، وهو العامل إذا، على قول الجمهور. وقال الزجاج ذلك، وقال أيضا هو والنحاس : العامل مُزِّقْتُمْ. قال ابن عطية :
هو خطأ وإفساد للمعنى. انتهى. وليس بخطأ ولا إفساد للمعنى، وإذا الشرطية مختلف في العامل فيها، وقد بينا ما كتبناه في (شرح التسهيل) أن الصحيح أن يعمل فيها فعل الشرط، كسائر أدوات الشرط. والجملة الشرطية يحتمل أن تكون معمولة لينبئكم، لأنه في معنى يقول