البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٤٤
الكفار، ويكون حتى غاية لقوله : فَاتَّبَعُوهُ، ويكون التفزيع حالة مفارقة الحياة، أو يجعل اتباعهم إياه مستصحبا لهم إلى يوم القيامة مجازا.
والجملة بعد من قوله : قُلِ ادْعُوا اعتراضية بين المغيا والغاية. قال ابن زيد :
أقروا باللّه حين لا ينفعهم الإقرار، فالمعنى : فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم ما كان يطلبهم به، قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ. وقال الحسن : وإنما يقال للمشركين ما ذا قالَ رَبُّكُمْ على لسان الأنبياء، فأقروا حين لا ينفع. وقيل : حَتَّى غاية متعلقة بقوله :
زَعَمْتُمْ، أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع، ثم تركتم ما زعمتم وقلتم : قال الحق.
انتهى. فيكون في الكلام التفاوت من خطاب في زَعَمْتُمْ إلى غيبة في فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. وعن ابن عباس : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال : فإذا أذن فزع ودام فزعه حتى إذا أزيل التفزيع عن قلوبهم.
قال بعض الشافعين من الملائكة لبعض الملائكة : ما ذا قالَ رَبُّكُمْ في قبول شفاعتنا؟ فيجيب بعضهم لبعض : قال أي اللّه الحق، أي القول الحق، وهو قبول شفاعتهم، إذ كان تعالى أذن لهم في ذلك، ولا يأذن إلا وهو مريد لقبول الشفاعة. وقال الزمخشري : فإن قلت بم اتصل قوله : حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ؟ ولا شيء وقعت حتى غاية له. قلت : بما فهم من هذا الكلام من أن ثم انتظار الإذن وتوقفا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص. ومثل هذه الحال دل عليه قوله، عز من قائل : رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً، يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً
«١»، كأنه قيل : يتربصون ويتوقفون مليا فزعين وهلين.
حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ : أي كشف الفزع من قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن. تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا : ما ذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قال الحق، أي القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى. انتهى.
وتلخص من هذا أن حتى غائية إما لمنطوق وهو زعمتم، ويكون الضمير في عَنْ قُلُوبِهِمْ التفاتا، وهو للكفار، أو هو فاتبعوه، وفيه تناسق الضمائر لغائب. والفصل بالاعتراض والضمير أيضا للكفار، والضمير في قالُوا للملائكة، وضمير الخطاب في رَبُّكُمْ، والغائب في قالُوا الثانية للكفار. وأما لمحذوف، فما قدره ابن عطية لا يصح أن يغيا،

(١) سورة النبأ : ٧٨/ ٣٧ - ٣٨.


الصفحة التالية
Icon