البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٤٥
لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، وهم عبدة منقادون دائما لا ينفكون عن ذلك، لا إذا فزع عن قلوبهم، ولا إذا لم يفزع، وحمل ذلك على الملائكة حال الوحي لا يناسب الآية، وكون النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، في قصة الوحي قال :«فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم»
، لا يدل على أن هذه الآية في الملائكة حالة تكلم اللّه بالوحي. والحديث رواه ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، قال :«إذا تكلم اللّه عز وجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل عليه السلام، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، فيقولون : يا جبريل ماذا قال ربك؟ قال فيقول الحق، فينادون الحق».
وما قدره الزمخشري يحتمل، إلا أن فيه تخصيص الذين زعمتم من دونه بالملائكة، والذين عبدوهم ملائكة وغيرهم. وتخصيص من أذن له بالملائكة أيضا، والمأذون لهم في الشفاعة الملائكة وغيرهم. ألا ترى إلى ما حكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، في «الشفاعة في قوله عز وجل؟» «١».
وقرئ : فزع مشددا، من الفزع، مبنيا للمفعول، أي أطير الفزع عن قلوبهم. وفعل تأتي لمعان منها : الإزالة، وهذا منه نحوه : قردت البعير، أي أزلت القراد عنه. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وطلحة، وأبو المتوكل الناجي، وابن السميفع، وابن عامر : مبنيا للفاعل من الفزع أيضا، والضمير الفاعل في فزع إن كان الضمير في عن قلوبهم للملائكة، فهو اللّه، وإن كان للكفار، فالضمير لمغويهم. وقرأ الحسن : فُزِّعَ من الفزع، بتخفيف الزاي، مبنيا للمفعول، وعَنْ قُلُوبِهِمْ في موضع رفع به، كقولك : انطلق يزيد. وقرأ الحسن أيضا، وأبو المتوكل أيضا، وقتادة، ومجاهد : فزع مشددا، مبنيا للفاعل من الفزع.
وقرأ الحسن أيضا : كذلك، إلا أنه خفف الزاء. وقرأ عبد اللّه بن عمر، والحسن أيضا، وأيوب السختياني، وقتادة أيضا، وأبو مجلز : فرغ من الفراغ، مشدد الراء، مبنيا للمفعول.
وقرأ ابن مسعود، وعيسى افرنقع : عن قلوبهم، بمعنى انكشف عنها، وقيل : تفرق. وقال الزمخشري : والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين، كما ركب قمطر من حروف القمط مع زيادة الراء. انتهى. فإن عنى الزمخشري أن العين من حروف الزيادة، وكذلك الراء، وهو ظاهر كلامه، فليس بصحيح، لأن العين والراء ليستا من حروف الزيادة.
وإن عنى أن الكلمة فيها حروف، وما ذكروا زائدا إلى ذلك العين والراء كمادة فرقع وقمطر، فهو صحيح لو لا إيهام ما قاله الزمخشري في هذه الكلمة، لم أذكر هذه القراءة لمخالفتها