البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٤٨
كان يحتاج إلى هذا التقدير، وإن مع ما يصلح أن يكون خبرا لأن اسمها عطف عليه بأو، والخبر معطوف بأو، فلا يحتاج إليه. وذهب أبو عبيدة إلى أن أو بمعنى الواو، فيكون من باب اللف والنشر، والتقدير : وإنا لعلى هدى، وإياكم في ضلال مبين، فأخبر عن كل بما ناسبه، ولا حاجة إلى إخراج أو عن موضوعها. وجاء في الهدى بعلى، لأن صاحبه ذو استعلاء، وتمكن مما هو عليه، يتصرف حيث شاء. وجاء في الضلال بعن لأنه منغمس في حيرة مرتبك فيها لا يدري أين يتوجه.
قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا هذا أدخل في الإنصاف وأبلغ من الأول، وأكثر تلطفا واستدراجا، حيث سمى فعله جرما، كما يزعمون، مع أنه مثاب مشكور. وسمى فعلهم عملا، مع أنه مزجور عنه محظور. وقد يراد بأجرمنا نسبة ذلك إلى المؤمنين دون الرسول، وذلك ما لا يكاد يخلو المؤمن منه من الصغائر، والذي تعملون هو الكفر وما دونه من المعاصي الكبائر. قيل : وهذه الآية منسوخة بآية السيف. قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا : أي يوم القيامة، ثُمَّ يَفْتَحُ : أي يحكم، بِالْحَقِّ : بالعدل، فيدخل المؤمنين الجنة والكفار النار. وَهُوَ الْفَتَّاحُ : الحاكم الفاصل، الْعَلِيمُ بأعمال العباد. والفتاح والعليم صيغتا مبالغة، وهذا فيه تهديد وتوبيخ. تقول لمن نصحته وخوفته فلم يقبل : سترى سوء عاقبة الأمر. وقرأ عيسى : الفاتح اسم فاعل، والجمهور : الفتاح.
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ : الظاهر أن أرى هنا بمعنى أعلم، فيتعدى إلى ثلاثة : الضمير للمتكلم هو الأول، والذين الثاني، وشركاء الثالث، أي أروني بالحجة والدليل كيف وجه الشركة، وهل يملكون مثقال ذرة أو يرزقونكم؟ وقيل : هي رؤية بصر، وشركاء نصب على الحال من الضمير المحذوف في ألحقتم، إذ تقديره : ألحقتموهم به في حال توهمه شركاء له. قال ابن عطية : وهذا ضعيف، لأن استدعاء رؤية العين في هذا لا غناء له. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى قوله : أروني، وكان يراهم ويعرفهم؟
قلت : أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء باللّه، وأن يقايس على أعينهم بينه وبين أصنامهم، ليطلعهم على حالة القياس إليه والإشراك به. وكَلَّا : ردع لهم عن مذهبهم بعد ما كسره بإبطال المقايسة، كما قال إبراهيم : أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «١»، بعد ما حجهم، وقد نبه على تفاحش غلطهم، وأن يقدروا اللّه حق قدره بقوله :
هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، كأنه قال : أي الذين ألحقتم به شركاء من هذه الصفات؟ وهو