البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٤٩
راجع إلى اللّه وحده، أو هو ضمير الشأن كما في قوله : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ «١». انتهى.
وقول ابن عطية، لأن استدعاء رؤية العين في هذا لا غناء له، أي لا نفع له، ليس بجيد، بل في ذلك تبكيت لهم وتوبيخ، ولا يريد حقيقة الأمر، بل المعنى : أن الذين هم شركاء اللّه على زعمكم، هم ممن إن أريتموهم افتضحتم، لأنهم خشب وحجر وغير ذلك من الحجارة والجماد، كما تقول للرجل الخسيس الأصل : أذكر لي أباك الذي قايست به فلانا الشريف ولا تريد حقيقة الذكر، وإنما أردت تبكيته، وأنه إن ذكر أباه افتضح.
وكَافَّةً : اسم فاعل من كف، وقيل : مصدر كالعاقبة والعافية، فيكون على حذف مضاف، أي إلا ذا كافة، أي ذا كف للناس، أي منع لهم من الكفر، أو ذا منع من أن يشذوا عن تبليغك. وإذا كان اسم فاعل، فقال الزجاج وغيره : هو حال من الكاف في أَرْسَلْناكَ، والمعنى : إلا جامعا للناس في الإبلاغ، والكافة بمعنى الجامع، والهاء فيه للمبالغة، كهي في علامة وراوية. وقال الزمخشري : إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم، لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم، قال : ومن جعله حالا من المجرور متقدما عليه فقد أخطأ، لأن تقدم حال المجرور عليه في الأصالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار، وكم ترى ممن يرتكب هذا الخطأ ثم لا يقنع به حتى يضم إليه أن يجعل اللام بمعنى إلى، لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني، فلا بد من ارتكاب الخطأين.
انتهى. أما كافة بمعنى عامة، فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالا، ولم يتصرف فيها بغير ذلك، فجعلها صفة لمصدر محذوف، خروج عما نقلوا، ولا يحفظ أيضا استعمله صفة لموصوف محذوف. وأما قول الزجاج : إن كافة بمعنى جامعا، والهاء فيه للمبالغة، فإن اللغة لا تساعد على ذلك، لأن كف ليس بمحفوظ أن معناه جمع. وأما قول الزمخشري : ومن جعله حالا إلى آخره، فذلك مختلف فيه. ذهب الأكثرون إلى أن ذلك لا يجوز، وذهب أبو علي وابن كيسان وابن برهان ومن معاصرينا ابن مالك إلى أنه يجوز، وهو الصحيح. ومن أمثلة أبي علي زيد : خير ما يكون خير منك، التقدير : زيد خير منك خير ما يكون، فجعل خير ما يكون حالا من الكاف في منك، وقدمها عليه، قال الشاعر :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا فمطلبها كهلا عليه شديد
وقال آخر :
تسليت طرا عنكم بعد بينكم بذكركم حتى كأنكم عندي