البحر المحيط، ج ٨، ص : ٨٣
كاتب فإذا بني هذا الفعل للمفعول إنما ينوب عن الفاعل المفعول المسرح لفظا وتقديرا لا المسرح لفظا المقيد تقديرا، فعلى هذا كان يكون التركيب اكتتبته لا اكْتَتَبَها وعلى هذا الذي قلناه جاء السماع عن العرب في هذا النوع الذي أحد المفعولين فيه مسرح لفظا وتقديرا والآخر مسرح لفظا لا تقديرا. قال الشاعر وهو الفرزدق :
ومنا الذي اختير الرجال سماحة وجودا إذا هب الرياح الزعازع
ولو جاء على ما قرره الزمخشري لجاء التركيب ومنا الذي اختيره الرجال لأن اختار تعدى إلى الرجال على إسقاط حرف الجر إذ تقديره اختير من الرجال. والظاهر أن قوله اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا من تمام قول الكفار. وعن الحسن أنه قول اللّه سبحانه بكذبهم وإنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة في اكْتَتَبَها للاستفهام الذي في معنى الإنكار، ووجهه أن يكون نحو قوله :
أفرح إن أرزأ الكرام وإن آخذ ذودا شصايصا نبلا
وحق للحسن أن يقف على الأولين. والظهر تقييد الإملاء بوقت انتشار الناس وحين الإيواء إلى مساكنهم وهما البكرة والأصيل، أو يكونان عبارة عن الديمومة. وقرأ طلحة وعيسى فهي تتلى بالتاء بدل الميم.
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ أي كل سر خفي، ورد عليهم بهذا وهو وصفه تعالى بالعلم لأن هذا القرآن لم يكن ليصدر إلّا من علام بكل المعلومات لما احتوى عليه من إعجاز التركيب الذي لا يمكن صدوره من أحد، ولو استعان بالعالم كلهم ولاشتماله على مصالح العالم وعلى أنواع العلوم واكتفى بعلم السر لأن ما سواه أولى أن يتعلق علمه به، أو يَعْلَمُ ما تسرون من الكيد لرسوله مع علمكم ببطل ما تقولون فهو مجازيكم إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً إطماع في إنهم إذا تابوا غفر لهم ما فرط من كفرهم ورخمهم. أو غَفُوراً رَحِيماً في كونه أمهلكم ولم يعاجلكم على ما استوجبتموه من العقاب بسبب مكابرتكم، أو لما تقدم ما يدل على العقاب أعقبه بما يدل على القدرة عليه لأن المتصف بالغفران والرحمة قادر على أن يعاقب.
وَقالُوا الضمير لكفار قريش، وكانوا قد جمعهم والرسول مجلس مشهور
ذكره ابن إسحاق في السير فقال عتبة وغيره : إن كنت تحب الرئاسة ولّيناك علينا أو المال جمعنا لك، فلما أبي عليهم اجتمعوا عليه فقالوا : مالك وأنت رسول من اللّه تأكل الطعام وتقف


الصفحة التالية
Icon