البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٠٥
الفاعل لا يجوز حذفه دون عامله، فكذلك هذا. لو قلت : زيد ممدود أو مغضوب، تريد به أو عليه، لم يجز. وسَواءِ الْجَحِيمِ : وسطها، تقول : تعبت حتى انقطع سوائي. قال ابن عباس : سمي سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب، يعني سواء الجحيم.
وقال خليل العصري : رآه : تبدلت حاله، فلو لا ما عرفه اللّه به لم يعرفه، قال له عند ذلك : تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ : أي لتهلكني بإغوائك. وإن مخففة من الثقيلة، يلقي بها القسم وتاللّه قسم فيه التعجب من سلامته منه إذا كان قرينه قارب أن يرديه. وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي : وهي توفيقه للإيمان والبعد من قرين السوء، لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ للعذاب، كما أحضرته أنت. أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ، قرأ زيد بن عليّ : بمائتين، والظاهر أنه من كلام القائل : يسمع قرينه على جهة التوبيخ له، أي لسنا أهل الجنة بميتين، لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا، بخلاف أهل النار، فإنهم في كل ساعة يتمنون فيها الموت.
وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، كحال أهل النار، بل نحن منعمون دائما. ويكون في خطابه ذلك منكلا له، مقرعا محزنا له بما أنعم اللّه به عليه من دخول الجنة، معلما له بتباين حاله في الآخرة بحاله. كما كانتا تتباينان في الدنيا من أنه ليس بعد الموت جزاء ظهر له خلافه، يعذب بكفره باللّه وإنكار البعث. ويجوز أن يكون خطابا من القائل لرفقائه، لما رأى ما نزل بقرينه، وقفهم على نعمه تعالى في ديمومة خلودهم في الجنة ونعيمهم فيها. ويتصل قوله :
إِنَّ هذا إلى قوله : الْعامِلُونَ بهذا التأويل أيضا، لا واضحا خطابا لرفقائه. ويجوز أن يكون تم كلامه عند قوله : لَتُرْدِينِ، ويكون أَفَما نَحْنُ إلى بِمُعَذَّبِينَ من كلامه وكلام رفقائه، وكذلك إِنَّ هذا إلى الْعامِلُونَ : أي إن هذا الأمر الذي نحن فيه من النعيم والنجاة من النار. وقيل : هو من قول اللّه تعالى، تقريرا لقولهم وتصديقا له وخطابا لرسول اللّه وأمّته، ويقوي هذا قوله : لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ، والآخرة ليست بدار عمل، ولا يناسب ذلك قول المؤمن في الآخرة إلا على تجوز، كأنه يقول : لمثل هذا ينبغي أن يعمل العاملون. وقال الزمخشري : الذي عطف عليه الفاء محذوف معناه : أنحن مخلدون؟ أي منعمون، فما نحن بميتين ولا معذبين. انتهى. وتقدم من مذهبه أنه إذا تقدمت همزة الاستفهام، وجاء بعدها حرف العطف بضمير ما، يصح به إقرار الهمزة والحرف في محليهما اللذين وقعا فيهما، ومذهب الجماعة أن حرف العطف هو المقدم في التقدير، والهمزة بعده، ولكنه لما كانت الهمزة لها صدر الكلام قدمت، فالتقدير عند الجماعة. فأما وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة، وتقدم الكلام معه في ذلك.


الصفحة التالية
Icon