البحر المحيط، ج ٩، ص : ١١١
آلهة، كقوله : أَيْنَ شُرَكائِيَ «١»، وعرض الأكل عليها. واستفهامها عن النطق هو على سبيل الهزء، لكونها منحطة عن رتبة عابديها، إذ هم يأكلون وينطقون. وروي أنهم كانوا يضعون عندها طعاما، ويعتقدون أنها تصيب منه شيئا، وإنما يأكله خدمتها. فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ : أي أقبل عليهم مستخفيا ضاربا، فهو مصدر فى موضع الحال، أو يضربهم ضربا، فهو مصدر فعل محذوف، أو ضمن فراغ عليهم معنى ضربهم، وباليمين :
أي يمين يديه. قال ابن عباس : لأنها أقوى يديه أو بقوته، لأنه قيل : كان يجمع يديه في الآلة التي يضربها بها وهي الفأس. وقيل : سبب الحلف الذي هو : وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ «٢».
وقرأ الجمهور : يَزِفُّونَ، بفتح الياء، من زف : أسرع، أو من زفاف العروس، وهو التمهل في المشية، إذ كانوا في طمأنينة أن ينال أصنامهم شيء لعزتهم. وقرأ حمزة، ومجاهد، وابن وثاب، والأعمش : بضم الياء، من أزف : دخل في الزفيف، فهي للتعدي، قاله الأصمعي. وقرأ مجاهد أيضا، وعبد اللّه بن يزيد، والضحاك، ويحيى بن عبد الرحمن المقري، وابن أبي عبلة : يزفون مضارع زف بمعنى أسرع. وقال الكسائي، والفراء : لا نعرفها بمعنى زف. وقال مجاهد : الوزيف : السيلان. وقرىء : يزفون مبنيا للمفعول. وقرىء : يزفون بسكون الزاي، من زفاه إذا حداه، فكان بعضهم يزفو بعضا لتسارعهم إليه. وبين قوله : فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ وبين قوله : فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ جمل محذوفة هي مذكورة في سورة اقترب، ولا تعارض بين قوله : فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ وبين سؤالهم مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا «٣»، وأخبار من عرض بأنه إبراهيم كان يذكر أصنامهم، لأن هذا الإقبال كان يقتضي تلك الجمل المحذوفة، أي فأقبلوا إليه، أي إلى الإنكار عليه في كسر أصنامهم وتأنيبه على ذلك. وليس هذا الإقبال من عندهم، بل بعد مجيئهم من عندهم جرت تلك المفاوضات المذكورة في سورة اقترب.
واستسلف الزمخشري في كلامه أشياء لم تتضمنها الآيات، صارت الآيات عنده بها كالمتناقضة. قال، حيث ذكر هاهنا : إنهم أدبروا عنه خيفة العدوى، فلما أبصروه يكسر أصنامهم، أقبلوا إليه متبادرين ليكفوه ويوقعوا به. وذكرتم أنهم سألوا عن الكاسر حتى قيل :
(٢) سورة الأنبياء : ٢١/ ٥٧.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١/ ٥٩.