البحر المحيط، ج ٩، ص : ١١٩
صحيح أنه أمرّ الشفرة على حلق ابنه. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ إلى : الْمُؤْمِنِينَ، تقدم تفسير نظيره في آخر قصة نوح، قبل قصة إبراهيم هنا، وقال هنا كذلك دون إنا، اكتفاء بذكر ذلك قبل وبعد.
وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ : الظاهر أن هذه بشارة غير تلك البشارة، وأن الغلام الحليم المبشر به إبراهيم هو إسماعيل، وأنه هو الذبيح لا إسحاق وهو قول ابن عباس، وابن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان، ومحمد بن كعب القرظي، والشعبي، والحسن، ومجاهد، وجماعة من التابعين واستدلوا بظاهر هذه الآيات وبقوله عليه السلام : أنا ابن الذبيحين، وقول الأعرابي له : يا ابن الذبيحين، فتبسم عليه السلام، يعني إسماعيل، وأباه عبد اللّه.
وكان عبد المطلب نذر ذبح أحد ولده، فخرج السهم على عبد اللّه، فمنعه أخواله وقالوا له : افد ابنك بمائة من الإبل، ففداه بها. وفيما أوحى اللّه لموسى في حديث طويل. وأما إسماعيل، فإنه جاد بدم نفسه. وسأل عمر بن عبد العزيز يهوديا أسلم عن ذلك فقال : إن يهوديا ليعلم، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب، وكان قرنا الكبش منوطين في الكعبة. وسأل الأصمعي أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال :
يا أصمعي، أين عزب عنك عقلك؟ ومتى كان إسحاق بمكة؟ وهو الذي بنى البيت مع أبيه، والمنحر بمكة؟ انتهى. ووصفه تعالى بالصبر في قوله : وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ «١»، وهو صبره على الذبح وبصدق الوعد في قوله : إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ «٢»، لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به. وذكر الطبري أن ابن عباس قال : الذبيح إسماعيل، ويزعم اليهود أنه إسحاق، وكذبت اليهود. ومن أقوى ما يستدل به أن اللّه تعالى بشر إبراهيم بإسحاق، وولد إسحاق يعقوب. فلو كان الذبيح إسحاق، لكان ذلك الإخبار غير مطابق للواقع، وهو محال في إخبار اللّه تعالى. وذهبت جماعة إلى أن الذبيح هو إسحاق، منهم : العباس بن عبد المطلب، وابن مسعود، وعلي
، وعطاء، وعكرمة، وكعب، وعبيد بن عمير، وابن عباس في رواية، وكان أمر ذبحه بالشأم.
وقال عطاء ومقاتل : ببيت المقدس وقيل : بالحجاز، جاء مع أبيه على البراق. وقال عبيد بن عمير، وابن عباس في رواية : وكان أمر ذبحه بالشأم، كان بالمقام. وقال ابن عباس : والبشارة في قوله : وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ، هي بشارة نبوته. وقالوا : أخبر تعالى عن خليله إبراهيم حين هاجر إلى الشام بأنه استوهبه ولدا، ثم أتبع تلك البشارة بغلام حليم،
(٢) سورة مريم : ١٩/ ٥٤.