البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٢٠
ثم ذكر رؤياه بذبح ذلك الغلام المبشر به، ويدل عليه
كتاب يعقوب إلى يوسف، عليهما السلام : من يعقوب إسرائيل اللّه ابن إسحاق ذبيح اللّه ابن إبراهيم خليل اللّه.
ومن جعل الذبيح إسحاق، جعل هذه البشارة بشارة بنبوته، كما ذكرنا عن ابن عباس. وقالوا : لا يجوز أن يبشره اللّه بولادته ونبوته معا، لأن الامتحان بذبحه لا يصح مع علمه بأنه سيكون نبيا.
ومن جعله إسماعيل، جعل البشارة بولده إسحاق. وانتصب نبيا على الحال، وهي حال مقدرة. فإن كان إسحاق هو الذبيح، وكانت هذه البشارة بولادة إسحاق، فقد جعل الزمخشري ذلك محل سؤال. فإن قلت : فرق بين هذا وقوله : فَادْخُلُوها خالِدِينَ «١»، وذلك أن المدخول موجود مع وجود الدخول، والخلود غير موجود معهما، فقدرت مقدرين للخلود، فكان مستقيما. وليس كذلك المبشر به، فإنه معلوم وقت وجود البشارة، وعدم المبشر به أوجب عدم حاله، لأن الحال حلية لا تقوم إلا بالمحلى. وهذا المبشر به الذي هو إسحاق، حين وجد لم توجد النبوة أيضا بوجوده، بل تراخت عنه مدة طويلة، فكيف يجعل نبيا حالا مقدرة؟ والحال صفة للفاعل والمفعول عند وجود الفعل منه أو به. فالخلود، وإن لم يكن صفتهم عند دخول الجنة، فتقديرها صفتهم، لأن المعنى : مقدرين الخلود. وليس كذلك النبوة، فإنه لا سبيل إلى أن تكون موجودة وقت وجود البشارة بإسحاق لعدم إسحاق.
قلت : هذا سؤال دقيق السلك ضيق المسلك، والذي يحل الإشكال أنه لا بد من تقدير مضاف محذوف وذلك قوله : وَبَشَّرْناهُ بوجود إسحاق نبيا، أي بأن يوجد مقدرة نبوته، فالعامل في الحال الوجود، لا فعل البشارة وبذلك يرجع نظير قوله تعالى : فَادْخُلُوها خالِدِينَ «٢»، مِنَ الصَّالِحِينَ «٣»، حال ثانية، وورودها على سبيل الثناء والتقريظ، لأن كل نبي لا بد أن يكون من الصالحين. انتهى.
وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ : أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا، وبأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه. وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ : فيه وعيد لليهود ومن كان من ذريتهما لم يؤمن بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وفيه دليل على أن البر قد يلد الفاجر، ولا يلحقه من ذلك عيب ولا منقصة.
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ، وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ، وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ، وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ

(١ - ٢) سورة الزمر : ٣٩/ ٧٣.
(٣) سورة آل عمران : ٣/ ٣٩ وغيرها من السور. [.....]


الصفحة التالية
Icon