البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٢٢
أَتَدْعُونَ بَعْلًا : أي أتعبدون بعلا، وهو علم لصنم لهم، قاله الضحاك والحسن وابن زيد. قيل : وكان من ذهب، طوله عشرون ذراعا، وله أربعة أوجه، فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة، والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس، وهم أهل بعلبك من بلاد الشام، وبه سميت مدينتهم بعلبك. وقال عكرمة، وقتادة : البعل : الرب بلغة اليمن. وسمع ابن عباس رجلا ينشد ضالة، فقال له رجل : أنا بعلها، فقال ابن عباس : اللّه أكبر، أتدعون بعلا؟ ويقال : من بعل هذه الدار، أي ربها؟ والمعنى على هذا : أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة اللّه؟ وقالت فرقة : إن بعلا اسم امرأة أتتهم بضلالة فاتبعوها. وقرىء :
أتدعون بعلاء، بالمد على وزن حمراء، ويؤنس هذه القراءة قول من قال : إنه اسم امرأة.
وقرأ الكوفيون، وزيد بن عليّ : اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ، بالنصب في الثلاثة بدلا من أَحْسَنَ، أو عطف بيان إن قلنا إن إضافة التفضيل محضة وباقي السبعة بالرفع، أي هو اللّه أو يكون استئنافا مبتدأ وربكم خبره. وروي عن حمزة أنه إذا وصل نصب، وإذا قطع رفع. فَكَذَّبُوهُ : أي كذبه قومه، إما في قوله : اللَّهَ رَبَّكُمْ هذه النسب، أو فكذبوه فيما جاء به من عند اللّه من الأمر بالتوحيد وترك الصنم والايمان بما جاءت به الرسل.
ومحضرون : مجموعون للعذاب. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ : استثناء يدل على أن من قومه مخلصين لم يكذبوه، فهو استثناء متصل من ضمير فَكَذَّبُوهُ، ولا يجوز أن يكون استثناء من فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، لأنهم كانوا يكونون مندرجين فيمن كذب، ويكونون عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وذلك لا يمكن ولا يناسب أن يكون استثناء منقطعا، إذ يصير المعنى : لكن عباد اللّه المخلصين من غير قومه لا يحضرون للعذاب، ولا مسيس لهؤلاء الممسوسين بالآية التي فيها قصة إلياس هذه.
وقرأ زيد بن عليّ، ونافع، وابن عامر : على آل ياسين. وزعموا أن آل مفصولة في المصحف، وياسين اسم لإلياس. وقيل : اسم لأبي إلياس، لأنه إلياس بن ياسين، وآل ياسين هو ابنه إلياس. وقيل : ياسين هو اسم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقرأ باقي السبعة : عَلى إِلْ ياسِينَ، بهمزة مكسورة، أي الياسين، جمع المنسوبين إلى الياس معه، فسلم عليهم.
وهذا يدل على أن من قومه من كان اتبعه على الدين، وكل واحد ممن نسب إليه كأنه إلياس، فلما جمعت، خففت ياء النسبة بحذف إحداهما كراهة التضعيف، فالتقى ساكنان :
الياء فيه وحرف العلة الذي للجمع، فحذفت لالتقائهما، كما قالوا : الأشعرون والأعجمون