البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٣٥
رأس أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه، وشكوه إلى أبي طالب، فقال :
يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ فقال : يا عم، إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم الجزية بها العجم. قال : وما الكلمة؟ قال : كلمة واحدة، قال : وما هي؟ قال :
لا إله إلا اللّه، قال فقاموا وقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا؟ قال : فنزل فيهم القرآن : ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، حتى بلغ، إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ.
قرأ الجمهور : ص، بسكون الدال. وقرأ أبي، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو السمال، وابن أبي عبلة، ونصر بن عاصم : صاد، بكسر الدال، والظاهر أنه كسر لالتقاء الساكنين. وهو حرف من حروف المعجم نحو : ق ونون. وقال الحسن : هو أمر من صادى، أي عارض، ومنه الصدى، وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الصلبة الخالية من الأجسام، أي عارض بعملك القرآن. وعنه أيضا : صاديت : حادثت، أي حادث، وهو قريب من القول الأول. وقرأ عيسى، ومحبوب عن أبي عمرو، وفرقة : صاد، بفتح الدال، وكذا قرأ : قاف ونون، بفتح الفاء والنون، فقيل : الفتح لالتقاء الساكنين طلبا للتخفيف وقيل : انتصب على أنه مقسم به، حذف منه حرف القسم نحو قوله : اللّه لأفعلن، وهو اسم للسورة، وامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقد صرفها من قرأ صاد بالجر والتنوين على تأويل الكتاب والتنزيل، وهو ابن أبي إسحاق في رواية. وقرأ الحسن أيضا : صاد، بضم الدال، فإن كان اسما للسورة، فخبر مبتدأ محذوف، أي هذه ص، وهي قراءة ابن السميفع وهارون الأعور وقرأ ق ونون، بضم الفاء والنون. وقيل : هو حرف دال على معنى من فعل أو من اسم، فقال الضحاك : معناه صدق اللّه. وقال محمد بن كعب : مفتاح أسماء اللّه محمد صادق الوعد صانع المصنوعات.
وقيل : معناه صدق محمد.
قال ابن عباس، وابن جبير، والسدّي : ذي الذكر : ذي الشرف الباقي المخلد. وقال قتادة : ذي التذكرة، للناس والهداية لهم. وقيل : ذي الذكر، للأمم والقصص والغيوب والشرائع وجواب القسم، قيل : مذكور، فقال الكوفيون والزجاج : هو قوله : إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ «١». وقال الفراء : لا نجده مستقيما في العربية لتأخره جدا عن قوله :
وَالْقُرْآنِ. وقال الأخفش : هو إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ، وقال قوم : كَمْ أَهْلَكْنا، وحذف اللام أي لكم، لما طال الكلام كما حذفت في وَالشَّمْسِ «٢»، ثم قال :
(٢) سورة الشمس : ٩١/ ١.