البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٣٩
قالوا : امشوا، أي أكثروا واجتمعوا، من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها ومنه الماشية للتفاؤل. انتهى. وأمروا بالصبر على الآلهة، أي على عبادتها والتمسك بها.
والإشارة بقوله : إِنَّ هذا أي ظهور محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وعلوه بالنبوة، لَشَيْءٌ يُرادُ :
أي يراد منا الانقياد إليه، أو يريده اللّه ويحكم بإمضائه، فليس فيه إلا الصبر، أو أن هذا الأمر شيء من نوائب الدهر مراد منا، فلا انفكاك عنه، وأن دينكم لشيء يراد، أي يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه، احتمالات أربعة. وقال القفال : هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف، المعنى : أنه ليس غرضه من هذا القول تقرير للدين، وإنما غرضه أن يستولي علينا، فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد. ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ، قال ابن عباس، ومجاهد، ومحمد بن كعب، ومقاتل : ملة النصارى، لأن فيها التثليث، ولا توحد.
وقال مجاهد، وقتادة : ملة العرب : قريش ونجدتها. وقال الفراء، والزجاج : ملة اليهود والنصرانية، أشركت اليهود بعزير، وثلث النصارى. وقيل : في الملة الآخرة التي كنا نسمع أنها تكون في آخر الزمان، وذلك أنه قبل المبعث، كان الناس يستشعرون خروج نبي وحدوث ملة ودين. ويدل على صحة هذا ما روي من أقوال الأحبار أولي الصوامع، وما روي عن الكهان شق وسطيح وغيرهما، وما كانت بنو إسرائيل تعتقد من أنه يكون منهم.
وقيل : في الملة الآخرة، أي لم نسمع من أهل الكتاب ولا الكهان أنه يحدث في الملة الآخرة توحيد اللّه. إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ : أي افتعال وكذب.
أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا : أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم، وهذا الإنكار هو ناشىء عن حسد عظيم انطوت عليه صدورهم فنطقت به ألسنتهم. بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي : أي من القرآن الذي أنزلت على رسولي يرتابون فيه، والإخبار بأنهم في شك يقتضي كذبهم في قولهم : إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ. بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ : أي بعد، فإذا ذاقوه عرفوا أن ما جاء به حق وزال عنهم الشك. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ : أي ليسوا متصرفين في خزائن الرحمة، فيعطون ما شاؤوا، ويمنعون من شاؤوا ما شاؤوا، ويصطفون للرسالة من أرادوا، وإنما يملكها ويتصرف فيها الْعَزِيزِ : الذي لا يغالب، الْوَهَّابِ : ما شاء لمن شاء.
لما استفهم استفهام إنكار في قوله : أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ، وكان ذلك دليلا على انتفاء تصرفهم في خزائن رحمة ربك، أتى بالإنكار والتوبيخ بانتفاء ما هو أعم