البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٦٩
وهو مبتدأ، ومن شكله في موضع الصفة وأزواج خبره، أي ومذوقا آخر من شكل هذا المذوق من مثله في الشدة والفظاعة أَزْواجٌ : أجناس. وقرأ مجاهد : من شكله، بكسر الشين والجمهور : بفتحها، وهما لغتان بمعنى المثل والضرب. وأما إذا كان بمعنى الفتح، فبكسر الشين لا غير. وعن ابن مسعود : وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ : هو الزمهرير.
والظاهر أن قوله : هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ، من قول رؤسائهم بعضهم لبعض، والفوج : الجمع الكثير، مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ : أي النار، وهم الأتباع، ثم دعوا عليهم بقولهم : مَرْحَباً بِهِمْ، لأن الرئيس إذا رأى الخسيس قد قرن معه في العذاب، ساءه ذلك حيث وقع التساوي في العذاب، ولم يكن هو السالم من العذاب وأتباعه في العذاب.
ومرحبا معناه : ائت رحبا وسعة لا ضيقا، وهو منصوب بفعل يجب إضماره، ولأن علوهم بيان للمدعو عليهم. وقيل : هذا فَوْجٌ، من كلام الملائكة خزنة النار وأن الدعاء على الفوج والتعليل بقوله : إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ، من كلامهم. وقيل : هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ، من كلام الملائكة، والدعاء على الفوج والإخبار بأنهم صالوا النار من كلام الرؤساء المتبوعين. قالُوا أي الفوج : لا مَرْحَباً بِكُمْ، رد على الرؤساء ما دعوا به عليهم. ثم ذكروا أن ما وقعوا فيه من العذاب وصلى النار، إنما هو بما ألقيتم إلينا وزينتموه من الكفر، فكأنكم قدمتم لنا العذاب أو الصلى. وإذا كان لا مَرْحَباً بِهِمْ من كلام الخزنة، فلم يجىء التركيب : قالوا بل هؤلاء لا مرحبا بهم، بل جاء بخطاب الأتباع للرؤساء، لتكون المواجهة لمن كانوا لا يقدرون على مواجهتهم في الدنيا بقبيح أشفى لصدورهم، حيث تسببوا في كفرهم، وأنكى للرؤساء. فَبِئْسَ الْقَرارُ : أي النار وهذه المرادة والدعاء كقوله : كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها «١». ولم يكتف الأتباع برد الدعاء على رؤسائهم، ولا بمواجهتهم بقوله : أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا، حتى سألوا من اللّه أن يزيد رؤساءهم ضعفا من النار، والمعنى : من حملنا على عمل السوء حتى صار جزاءنا النار، فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً، كما جاء في قول الأتباع : رَبَّنا آتِهِمْ، أي ساداتهم، ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ «٢»، رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ «٣».
ولما كان الرؤساء ضلالا في أنفسهم وأضلوا أتباعهم، ناسب أن يدعو عليهم بأن
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٦٨.
(٣) سورة الأعراف : ٧/ ٣٨.