البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٧٠
يزيدهم ضعفا، كما جاء : فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فعلى هذا الضمير في قوله : قالُوا للاتباع، ومن قدم : هم الرؤساء. وقال ابن السائب : قالُوا رَبَّنا إلى آخره، قول جميع أهل النار. وقال الضحاك : مَنْ قَدَّمَ، هو إبليس وقابيل.
وقال ابن مسعود : الضعف حيات وعقارب. وَقالُوا : أي أشراف الكفار، ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ : أي الأرذال الذين لا خير فيهم، وليسوا على ديننا، كما قال : وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا «١». وروي أن القائلين من كفار عصر الرسول، صلّى اللّه عليه وسلّم، هم : أبو جهل، وأمية بن خلف، وأصحاب القليب، والذين لم يروهم :
عمار، وصهيب، وسلمان، ومن جرى مجراهم، قاله مجاهد وغيره. قيل : يسألون أين عمار؟ أين صهيب؟ أين فلان؟ يعدون ضعفاء المسلمين فيقال لهم : أولئك في الفردوس.
وقرأ النحويان، وحمزة : اتخذناهم وصلا، فقال أبو حاتم، والزمخشري، وابن عطية : صفة لرجال. قال الزمخشري : مثل قوله : كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ. وقال ابن الأنباري :
حال، أي وقد اتخذناهم. وقرأ أبو جعفر، والأعرج، والحسن، وقتادة، وباقي السبعة :
بهمزة الاستفهام، لتقرير أنفسهم على هذا، على جهة التوبيخ لها. والأسف، أي اتخذناهم سخريا، ولم يكونوا كذلك. وقرأ عبد اللّه، وأصحابه، ومجاهد، والضحاك، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، ونافع، وحمزة، والكسائي : سخريا، بضم السين، ومعناها : من السخرة والاستخدام. وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وعيسى، وابن محيصن، وباقي السبعة : بكسر السين، ومعناها : المشهور من السخر، وهو الهزء. قال الشاعر :
إني أتاني لسان لا أسر بها من علو لا كذب فيها ولا سخر
وقيل : بكسر السين من التسخير. وأم إن كان اتخذناهم استفهاما إما مصرحا بهمزته كقراءة من قرأ كذلك، أو مؤولا بالاستفهام، وحذفت الهمزة للدلالة. فالظاهر أنها متصلة لتقدم الهمزة، والمعنى : أي الفعلين فعلنا بهم، الاستسخار منهم أم ازدراؤهم وتحقيرهم؟
وإن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحم. ويكون استفهاما على معنى الإنكار على أنفسهم، للاستسخار والزيغ جميعا. وقال الحسن : كل ذلك قد فعلوا، اتخذوهم سخريا، وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم. وأن اتخذناهم ليس استفهاما، فأم منقطعة، ويجوز أن تكون

(١) سورة هود : ١١/ ٢٧. [.....]


الصفحة التالية
Icon