البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٧٥
ابن عطية : وذهب كثير من النحويين إلى أن أم لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين، وإنما تكون معادلة إذا دخلتا على فعل واحد، كقولك : أزيد قام أم عمرو؟ وقولك : أقام زيد أم عمرو؟ فإذا اختلف الفعلان كهذه الآية، فليست معادلة. ومعنى الآية : أحدث لك الاستكبار الآن، أم كنت قديما ممن لا يليق أن تكلف مثل هذا لعلو مكانك؟ وهذا على جهة التوبيخ. انتهى. وهذا الذي ذكره عن كثير من النحويين مذهب غير صحيح. قال سيبويه : وتقول أضربت زيدا أم قتلته. فالبدء هنا بالفعل أحسن، لأنك إنما تسأل عن أحدهما، لا تدري أيهما كان، ولا تسأل عن موضع أحدهما، كأنك قلت : أي ذلك كان؟
انتهى. فعادل بأم الألف مع اختلاف الفعلين. مِنَ الْعالِينَ : ممن علوت وفقت. فأجاب بأنه من العالين، حيث قال أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ. وقيل : استكبرت الآن، أو لم تزل مذ كنت من المستكبرين؟ ومعنى الهمزة : التقرير. انتهى. وقرأت فرقة، منهم ابن كثير وغيره :
استكبرت، بصلة الألف، وهي قراءة أهل مكة، وليست في مشهور ابن كثير، فاحتمل أن تكون همزة الاستفهام حذفت لدلالة أم عليها، كقوله :
بسبع رمين الجمر أم بثمان واحتمل أن يكون إخبارا خاطبه بذلك على سبيل التقريع، وأم تكون منقطعة، والمعنى : بل أنت من العالين عند نفسك استخفافا به. قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ : تقدم الكلام على ذلك في الأعراف. قالَ : فَاخْرُجْ مِنْها إلى قوله :
إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ : تقدم الكلام على مثل ذلك في الحجر، إلا أن هنا لَعْنَتِي وهناك اللَّعْنَةُ «١» أعم. ألا ترى إلى قوله : أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ «٢»؟
وأما بالإضافة، فالعموم في اللعنة أعم، واللعنات إنما تحصل من جهة أن عليه لعنة اللّه كانت عليه لعنة كل لاعن، هذا من جهة المعنى، وأما باللفظ فيقتضي التخصيص. قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ : أقسم إبليس هنا بعزة اللّه، وقال في الأعراف : فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ «٣»، وفي الحجر : رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ «٤». وتقدم الكلام عليهما في موضعهما، وأن من المفسرين من قال : إن الباء في : بما أغويتني، وفي : فبما أغويتني ليست باء القسم. فإن كانت باء القسم، فيكون ذلك في موطئين : فهنا : لَأُغْوِيَنَّهُمْ، وفي الأعراف : لَأَقْعُدَنَّ، وفي الحجر : لَأُزَيِّنَنَّ. وقرأ الجمهور : فالحق والحق،
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٥٩.
(٣) سورة الأعراف : ٧/ ١٦. [.....]
(٤) سورة الحجر : ١٥/ ٣٩.