البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٨١
هذه السورة مكية، وعن ابن عباس : إلا اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ، وقُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا. وعن مقاتل : إلا يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا، وقوله : يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ. وعن بعض السلف : إلا يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا، إلى قوله : تَشْعُرُونَ، ثلاث آيات. وعن بعضهم : إلا سبع آيات، من قوله : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا. ومناسبتها لآخر ما قلبها أنه ختم السورة المتقدمة بقوله : إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ «١»، وبدأ هنا : تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. وقال الفراء والزجاج : تَنْزِيلُ مبتدأ، ومِنَ اللَّهِ الخبر، أو خبر مبتدأ محذوف، أي هذا تنزيل، ومن اللّه متعلق بتنزيل وأقول إنه خبر، والمبتدأ هو ليعود على قوله : إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ، كأنه قيل : وهذا الذكر ما هو؟ فقيل : هو تنزيل الكتاب.
وقال الزمخشري : أو غير صلة، يعني من اللّه، كقولك : هذا الكتاب من فلان إلى فلان، وهو على هذا خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا تنزيل الكتاب. هذا من اللّه، أو حال من تنزيل عمل فيها معنى الإشارة. انتهى. ولا يجوز أن يكون حالا عمل فيها معنى الإشارة، لأن معاني الأفعال لا تعمل إذا كان ما هو فيه محذوفا، ولذلك ردوا على أبي العباس قوله في بيت الفرزدق :
وإذ ما مثلهم بشر أن مثلهم منصوب بالخبر المحذوف وهو مقدر، أي وأن ما في الوجود في حال مماثلتهم بشر. والكتاب يظهر أنه القرآن، وكرر في قوله : إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ على جهة التفخيم والتعظيم، وكونه في جملة غير السابقة ملحوظا فيه إسناده إلى ضمير العظمة وتشريف من أنزل إليه بالخطاب وتخصيصه بالحق. وقرأ ابن أبي عبلة وزيد بن علي وعيسى : تنزيل بالنصب، أي اقرأ والزم. وقال ابن عطية : قال المفسرون في تنزيل الكتاب هو القرآن، ويظهر لي أنه اسم عام لجميع ما تنزل من عند اللّه من الكتب، وكأنه أخبر إخبارا مجردا أن الكتب الهادية الشارعة إنما تنزيلها من اللّه، وجعل هذا الإخبار تقدمة وتوطئة لقوله : إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ، والعزيز في قدرته، الحكيم في ابتداعه.
(١) سورة ص : ٣٨/ ٨٧.