البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٩٣
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ : قيل نزلت في أبي جهل، أي نفذ عليه الوعيد بالعذاب. والظاهر أنها جملة مستقلة، ومن موصولة مبتدأ، والخبر محذوف، فقيل تقديره :
يتأسف عليه، وقيل : يتخلص منه. وقدره الزمخشري : فأنت تخلصه، قال : حذف لدلالة أفأنت تنقذ عليه؟ وقدر الزمخشري بين الهمزة والفاء جملة حتى تقر الهمزة في مكانها والفاء في مكانها، فقال : التقدير : أأنت مالك أمرهم؟ فمن حق عليه كلمة العذاب، وهو قول انفرد به فيما علمناه. والذي تقوله النحاة أن الفاء للعطف وموضعها التقديم على الهمزة، لكن الهمزة، لما كان لها صدر الكلام، قدمت، فالأصل عندهم : فأمن حق عليه، وعلى القول أنها جملة مستقلة يكون قوله : أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ، استفهام توقيف، وقدم فيه الضمير إشعارا بأنك لست تقدر أن تنقذه من النار، بل لا يقدر على ذلك أحد إلا اللّه.
وذهبت فرقة، منهم الحوفي والزمخشري، إلى أن من شرطية، وجواب الشرط أفأنت، فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء، وأعيدت الهمزة لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد، ووضع من في النار، وهو ظاهر، موضع المضمر، إذ كان الأصل تنقذه، وإنما أظهر تشهيرا لحالهم وإظهارا لخسة منازلهم. قال الحوفي : وجيء بألف الاستفهام لما طال الكلام توكيدا، ولولا طوله، لم يجز الإتيان بها، لأنه لا يصلح في العربية أن يأتي بألف الاستفهام في الاسم، وألف أخرى في الجزاء. ومعنى الكلام : أفأنت تنقذه؟ انتهى.
وعلى هذا القول، يكون قد اجتمع استفهام وشرط على قول الجماعة أن الهمزة قدمت من تأخر، فيجيء الخلاف بين سيبويه ويونس : هل الجملة الأخيرة هي للمستفهم عنها أو هي جواب الشرط؟ وعلى تقدير الزمخشري : لم تدخل الهمزة على اسم الشرط، فلم يجتمع استفهام وشرط، لأن الاستفهام عنده دخل على الجملة المحذوفة عنده، وهو : أأنت مالك أمرهم؟ وفمن معطوف على تلك الجملة المحذوفة، عطفت جملة الشرط على جملة الاستفهام، ونزل استحقاقهم العذاب، وهم في الدنيا بمنزلة دخولهم النار، ونزل اجتهاد الرسول عليه السلام في دعائهم إلى الإيمان منزلة إنقاذهم من النار.
ولما ذكر حال الكفار في النار، وأن الخاسرين لهم ظلل، ذكر حال المؤمنين، وناسب الاستدراك هنا، إذ هو واقع بين الكافرين والمؤمنين، فقال : لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا.
ففي ذلك حض على التقوى، لهم علالي مرتفعة فوقها علالي مبنية، أي بناء المنازل التي سويت على الأرض. والضمير في مِنْ تَحْتِهَا عائد على الجمعين، أي من تحت الغرف السفلى والغرف العليا، لا تفاوت بين أعلاها وأسفلها وانتصب وَعْدَ اللَّهِ على المصدر