البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٩٤
المؤكد لمضمون الجملة قبله، إذ تضمنت معنى الوعد. أَلَمْ تَرَ : خطاب وتوقيف للسامع على ما يعتبر به من أفعال اللّه الدالة على فناء الدنيا واضمحلالها. فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ : أد أدخله مسالك وعيونا. والظاهر أن ماء العيون هو من ماء المطر، تحبسه الأرض ويخرج شيئا فشيئا. ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً، ذكر منته تعالى علينا بما تقوم به معيشتنا.
مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ : من أحمر وأبيض وأصفر، وشمل لفظ الزرع جميع ما يرزع من مقتات وغيره، أو مختلفا أصنافه من بر وشعير وسمسم وغير ذلك. ثُمَّ يَهِيجُ : يقارب الثمار، فَتَراهُ مُصْفَرًّا : أي زالت خضرته ونضارته. وقرأ أبو بشر : ثم يجعله، بالنصب في اللام. قال صاحب الكامل وهو ضعيف. انتهى. إِنَّ فِي ذلِكَ : أي فيما ذكر من إنزال المطر وإخراج الزرع به وتنقلاته إلى حالة، الحطامية، لَذِكْرى : أي لتذكرة وتنبيها على حكمة فاعل ذلك وقدرته.
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ : نزلت في حمزة، وعلي، ومن مبتدأ، وخبره محذوف يدل عليه فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ تقديره : كالقاسي المعرض عن الإسلام، وأبو لهب وابنه كانا من القاسية قلوبهم، وشرح الصدر استعارة عن قبوله للإيمان والخير والنور والهداية. وفي الحديث :«كيف انشراح الصدور؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، قلنا : وما علامة ذلك؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل الموت».
فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ : أي من أجل ذكره، أي إذا ذكر اللّه عندهم قست قلوبهم. وقال مالك بن دينار : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب. أُولئِكَ : أي القاسية قلوبهم، فِي ضَلالٍ مُبِينٍ : أي في حيرة واضحة، لا تخفى على من تأملها.
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ، أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ، كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ، إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.