البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٤٢
صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل، وقولك للحفار ضيق فم الركية ووسع أسفلها، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر، ولا من صغر إلى كبر، ولا من ضيق إلى سعة، ولا من سعة إلى ضيق، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات. والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على المصنوع الواحد من غير ترجيح لأحدهما، وكذلك الضيق والسعة، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين، وهو متمكن منهما على السواء، فقد صرف المصنوع إلى الجائز الآخر، فجعل صرفه عنه كنقله منه. انتهى. يعني أن خلقهم أمواتا، كأنه نقل من الحياة وهو الجائز الآخر. وظاهر فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا أنه متسبب عن قبولهم.
رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ، وثم محذوف، أي فعرفنا قدرتك على الإماتة والإحياء، وزال إنكارنا للبعث، فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا السابقة من إنكار البعث وغيره. فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ : أي سريع أو بطيء من النار، مِنْ سَبِيلٍ : وهذا سؤال من يئس من الخروج، ولكنه تعلل وتحير. ذلِكُمْ : الظاهر أن الخطاب للكفار في الآخرة، والإشارة إلى العذاب الذي هم فيه، أو إلى مقتهم أنفسهم، أو إلى المنع من الخروج والزجر والإهانة، احتمالات. قوله. وقيل : الخطاب لمحاضري رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والضمير في فإنه ضمير الشأن. إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ : أي إذا أفرد بالإلهية ونفيت عن سواه، كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ : أي ذكرت اللات والعزى وأمثالها من الأصنام صدقتم بألوهيتها وسكنت نفوسكم إليها. فَالْحُكْمُ بعذابكم، لِلَّهِ، لا لتلك الأصنام التي أشركتمها مع اللّه، الْعَلِيِّ عن الشرك، الْكَبِيرِ : العظيم الكبرياء. وقال محمد بن كعب : لأهل النار خمس دعوات، يكلمهم اللّه في الأربعة، فإذا كانت الخامسة سكتوا. قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ الآية، وفي إبراهيم : رَبَّنا أَخِّرْنا «١» الآية، وفي السجدة : رَبَّنا أَبْصَرْنا «٢» الآية، وفي فاطر : رَبَّنا أَخْرِجْنا «٣» الآية، وفي المؤمنون : رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا «٤» الآية، فراجعهم اخسؤا فيها ولا تكلمون، قال : فكان آخر كلامهم ذلك.
ولما ذكر تعالى ما يوجب التهديد الشديد في حق المشركين، أردفه بذكر ما يدل على كمال قدرته وحكمته، ليصير ذلك دليلا على أنه لا يجوز جعل الأحجار المنحوتة والخشب المعبودة شركاء للّه، فقال : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ، أيها الناس، ويشمل آيات قدرته من الريح السحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها من الآثار العلوية، وآيات كتابه المشتمل
(٢) سورة السجدة : ٣٢/ ١٢. [.....]
(٣) سورة فاطر : ٣٥/ ٣٧.
(٤) سورة المؤمنون : ٢٣/ ١٠٦.