البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٤٣
على الأولين والآخرين، وآيات الإعجاز على أيدي رسله. وهذه الآيات راجعة إلى نور العقل الداعي إلى توحيد اللّه. ثم قال : وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً، وهو المطر الذي هو سبب قوام بنية البدن، فتلك الآيات للأديان كهذا الرزق للأبدان. وَما يَتَذَكَّرُ : أي يتعظ ويعتبر، وجعله تذكرا لأنه مركوز في العقول دلائل التوحيد، ثم قد يعرض الاشتغال بعبادة غير اللّه فيمنع من تجلى نور العقل، فإذا تاب إلى اللّه تذكر.
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ، رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ، يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ، وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ، يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ، وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ.
الأمر بقوله : فَادْعُوا اللَّهَ للمنيبين المؤمنين أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أي اعبدوه، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ من الشرك على كل حال، حتى في حال غيظ أعدائكم المتمالئين عليكم وعلى استئصالكم. ورفيع : خبر مبتدأ محذوف. وقال الزمخشري : ثلاثة أخبار مترتبة على قوله : الَّذِي يُرِيكُمْ «١»، أو أخبار مبتدأ محذوف، وهي مختلفة تعريفا وتنكيرا. انتهى. أما ترتبها على قوله : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ، فبعيد كطول الفصل، وأما كونها أخبارا لمبتدأ محذوف، فمبني على جواز تعدد الأخبار، إذا لم تكن في معنى خبر واحد، والمنع اختيار أصحابنا. وقرىء : رفيع بالنصب على المدح، واحتمل أن يكون رفيع للمبالغة على فعيل من رافع، فيكون الدرجات مفعولة، أي رافع درجات المؤمنين ومنازلهم في الجنة. وبه فسر ابن سلام، أو عبر بالدرجات عن السموات، أرفعها سماء فوق سماء، والعرش فوقهنّ. وبه فسر ابن جبير، واحتمل أن يكون رفيع فعيلا من رفع الشيء علا فهو رفيع، فيكون من باب الصفة المشبهة، والدرجات : المصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش، أضيفت إليه دلالة على عزه وسلطانه، أي درجات ملائكته، كما وصفه بقوله :

(١) سورة الرعد : ١٣/ ١٢.


الصفحة التالية
Icon