البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٥٠
الحسن، كان إذا هم بقتله كفوه بقولهم : ليس بالذي تخافه، هو أقل من ذلك وأضعف، وما هو إلا بعض السحرة، ومثله لا يقاومه إلا ساحر مثله، ويقولون : إن قتلته أدخلت الشبهة على الناس، واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة. والظاهر أن فرعون، لعنه اللّه، كان قد استيقن أنه نبي، وأن ما جاء به آيات وما هو سحر، ولكن الرجل كان فيه خبث وجبروت، وكان قتالا سفاكا للدماء في أهون شيء، فكيف لا يقتل من أحسن منه بأنه هو الذي يثل عرشه، ويهدم ملكه؟ ولكنه يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك. وقوله : وَلْيَدْعُ رَبَّهُ :
شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه، كان قوله : ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى تمويها على قومه وإيهاما أنهم هم الذين يكفونه، وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع.
وقال ابن عطية : الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرت آيات موسى انهدّ ركنه واضطربت معتقدات أصحابه، ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره، وذلك بين من غير ما موضع في قصتهما، وفي ذلك على هذا دليلان : أحدهما : قوله ذَرُونِي، فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من إنفاذ أوامرهم. والدليل الثاني : في مقالة المؤمن وما صدع به، وأن مكاشفته لفرعون خير من مساترته، وحكمه بنبوة موسى أظهر من تقريبه في أمره.
وأما فرعون، فإنه نحا إلى المخرقة والاضطراب والتعاطي، ومن ذلك قوله : ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ : أي إني لا أبالي من رب موسى، ثم رجع إلى قومه يريهم النصحة والخيانة لهم، فقال : إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، والدين : السلطان، ومنه قول زهير :
لئن حللت بجوّ في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فدك
انتهى. وتبديل دينهم هو تغييره، وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام، كما قال : وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ «١». أو أن يظهر الأرض الفساد، وذلك بالتهارج الذي يذهب معه الأمن، وتتعطل المزارع والمكاسب، ويهلك الناس قتلا وضياعا، فأخاف فساد دينكم ودنياكم معا. وبدأ فرعون بخوفه تغيير دينهم على تغيير دنياهم، لأن حبهم لأديانهم فوق حبهم لأموالهم.
وقيل : ذَرُونِي يدل على أنهم كانوا يمنعونه من قتله، إما لكون بعضهم كان مصدقا له فيتحيل في منع قتله، وإما لما روي عن الحسن مما ذكر الزمخشري، وإما الشغل قلب فرعون بموسى حتى لا يتفرغ لهم، ويأمنوا من شره كما يفعلون مع الملك، إذا خرج عليه خارجي شغلوه به حتى يأمنوا من شره. وقرأ الكوفيون : أو أن، بترديد الخوف بين تبديل