البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٥٦
يوم الحشر. والتنادي مصدر تنادى القوم : أي نادى بعضهم بعضا. قال الشاعر :
تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا فقلت أعند اللّه ذلكم الردى
وسمي يوم التنادي، إما لنداء بعضهم لبعض بالويل والثبور، وإما لتنادي أهل الجنة وأهل النار على ما ذكر في سورة الأعراف، وإما لأن الخلق ينادون إلى المحشر، وإما لنداء المؤمن : هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ «١»، والكافر : يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ «٢». وقرأت فرقة :
التناد، بسكون الدال في الوصل أجراه مجرى الوقف وقرأ ابن عباس، والضحاك، وأبو صالح، والكلبي، والزعفراني، وابن مقسم : التناد، بتشديد الدال : من ندّ البعير إذا هرب، كما قال : يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ «٣» الآية. وقال ابن عباس وغيره في التناد، خفيفة الدال :
هو التنادي، أي
يكون بين الناس عند النفخ في الصور ونفخة الفزع في الدنيا، وأنهم يفرون على وجوههم للفزع التي نالهم، وينادي بعضهم بعضا. وروي هذا التأويل عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون التذكر بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة. انتهى. قال أمية بن أبي الصلت :
وبث الخلق فيها إذ دحاها فهم سكانها حتى التنادي
وفي الحديث :«إن للناس جولة يوم القيامة يندّون»، يظنون أنهم يجدون مهربا ثم تلا : يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ
، قال مجاهد : معناه فارين. وقال السدّي : ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ في فراركم حتى تعذبوا في النار. وقال قتادة : ما لكم في الانطلاق إليها من عاصم، أي مانع، يمنعكم منها، أو ناصر. ولما يئس المؤمن من قبولها قال : وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ. ثم أخذ يوبخهم على تكذيب الرسل، بأن يوسف قد جاءهم بالبينات.
والظاهر أنه يوسف بن يعقوب، وفرعون هو فرعون موسى، وروى أشهب عن مالك أنه بلغه أن فرعون عمر أربعمائة سنة وأربعين سنة. وقيل : بل الجائي إليهم هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب، وأن فرعون هو فرعون، غير فرعون موسى. وبِالْبَيِّناتِ :
بالمعجزات. فلم يزالوا شاكين في رسالته كافرين، حتى إذا توفي، قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا. وليس هذا تصديقا لرسالته، وكيف وما زالوا في شك منه، وإنما المعنى : لا رسول من عند اللّه فيبعثه إلى الخلق، ففيه نفي الرسول، ونفي بعثته.
وقرىء : ألن يبعث، بإدخال همزة الاستفهام على حرف النفي، كأن بعضهم يقرر بعضا
(٢) سورة الحاقة : ٦٩/ ٢٥.
(٣) سورة عبس : ٨٠/ ٣٤.