البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٨٨
اللّه وما فيها، كأنه قال : كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان. وقال الزجاج : في تتمة أربعة أيام، يريد بالتتمة اليومين. انتهى، وهذا كما تقول : بنيت جدار بيتي في يوم، وأكملت جميعه في يومين، أي بالأول.
وقال أبو عبد اللّه الرازي : ويفقه من كلام الزمخشري في أربعة أيام فائدة زائدة على قوله في يومين، لأن قوله في يومين لا يقتضي الاستغراق لذلك العمل. أما لما ذكر خلق الأرض وخلق هذه الأشياء، ثم قال في أربعة أيام سواء، دل على أن هذه الأيام مستغرقة في تلك الأعمال من غير زيادة ونقصان. انتهى. ولا فرق بين يومين وأربعة أيام بالنسبة إلى الاستغراق، فإن كانت أربعة تقتضي الاستغراق، وكذلك اليومين يقتضيانه، ومتى كان الظرف معدودا، كان العمل في جميعه، إما على سبيل التعميم، نحو : سرت يومين، وقد يكون في بعض كل يوم منها، نحو : تهجدت ليلتين، فاحتمل الاستغراق، واحتمل في بعض كل واحد من الليلتين وإذا كان كذلك، احتمل أن يكون وقع الخلق للأرض في بعض كل واحد من اليومين، واحتمل أن يكون اليومين مستغرقين لخلقها، فكذلك في أربعة أيام يحتمل الاستغراق، وأن يكون خلق الأرض والجبال والبركة وتقدير الأقوات وقع في بعض كل يوم من الأربعة، فما قاله أبو عبد اللّه الرازي لم تظهر به فائدة زائدة.
وقرأ الجمهور : سواء بالنصب على الحال وأبو جعفر بالرفع : أي هو سواء، وزيد بن عليّ والحسن وابن أبي إسحاق وعمرو بن عبيد وعيسى ويعقوب : بالخفض نعتا لأربعة أيام. قال قتادة والسدي : معناه سواء لمن سأل عن الأمر واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد العبرة منه، فإنه يجده كما قال تعالى. وقال ابن زيد وجماعة : معناه مستو مهيأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين إليها من البشر، فعبر بالسائلين عن الطالبين لأنهم من شأنهم ولا بد طلب ما ينتفعون به، إذ هم بحال حاجة. وقال الزمخشري : فإن قلت : بم تعلق قوله : لِلسَّائِلِينَ؟ قلت : بمحذوف، كأنه قيل هذا الحصر لأجل من سأل في كم خلقت الأرض وما فيها، أو يقدر، أو قدر فيها أقواتها لأجل الطالبين لها المحتاجين المقتاتين. انتهى، وهو راجع لقول المفسرين المتقدمين.
ولما شرح تخليق الأرض وما فيها، أتبعه بتخليق السماء فقال : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ : أي قصد إليها وتوجه دون إرادة تأثير في غيرها، والمعنى : إلى خلق السماء.
والظاهر أن المادة التي خلقت منها السماء كانت دخانا. وفي أول الكتاب الذي يزعم اليهود أنه التوراة إن عرشه تعالى كان على الماء قبل خلق السموات والأرض، فأحدث اللّه في