البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٩٠
بلوه : لتفعلن هذا شئت أو أبيت، ولتفعلنه طوعا أو كرها. وانتصابهما على الحال بمعنى طائعتين أو مكرهتين. فإن قلت : هلا قيل طائعتين على اللفظ أو طائعتان على المعنى لأنهما سموات وأرضون؟ قلت : لما جعلت مخاطبات ومجيبات، ووصفت بالطوع والكره، قيل : طائعين في موضع طائعات نحو قوله : ساجدين. انتهى. وقرأ الجمهور : ائتيا من الإتيان، أي ائتيا أمري وإرادتي. وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد : أتيا على وزن فعلا، قالتا : أتينا على وزن فعلنا، من آتى يؤتى، كذا قال ابن عطية، قال : وذلك بمعنى أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما، والإشارة بهذا كله إلى تسخيرها وما قدره اللّه من أعمالها. انتهى. وتقدم في كلام الزمخشري أنه جعل هذه القراءة من المواتاة، وهي الموافقة، فيكون وزن آتيا : فاعلا، وآتينا : فاعلنا، وتقدمه إلى ذلك أبو الفضل الرازي قال : آتينا بالمد على فاعلنا من المواتاة، ومعناه : سارعنا على حذف المفعول منه، ولا يجوز أن يكون من الإيتاء الذي هو الإعطاء لبعد حذف مفعوله. انتهى. وقرأ الأعمش : أو كرها بضم الكاف، والأصح أنه لغة في الإكراه على الشيء الموقوع التخيير بينه وبين الطواعية، والأكثر أن الكره بالضم معناه المشقة. قال ابن عطية : وقوله قالتا، أراد الفرقتين المذكورتين : جعل السموات سماء، والأرضين أرضا، وهذا نحو قول الشاعر :
ألم يحزنك أن حبال قومي وقومك قد تباينتا انقطاعا
وعبر عنها بتباينتا. انتهى. هذا وليس كما ذكر، لأنه إنما تقدم ذكر الأرض مفردة والسماء مفرد لحسن التعبير عنهما بالتثنية، والبيت هو من وضع الجمع موضع التثنية، كأنه قال : ألم يحزنك أن حبلى قومي وقومك؟ ولذلك ثنى في قوله : تباينتا، وأنث على معنى الحبل، لأنه لا يريد به الحبل حقيقة، إنما عنى به الذمة والمودة التي كانت بين قومهما.
والظاهر من هذه الآية أنه خلق الأرض وجعل فيها الرواسي وبارك فيها، ثم أوجد السماء من الدخان فسواها سبع سموات، فيكون خلق الأرض متقدما على خلق السماء، ودحو الأرض غير خلقها، وقد تأخر عن خلق السماء، وقد أورد على هذا أن جعل الرواسي فيها والبركة. وتقدير الأقوات لا يمكن إدخالها في الوجود إلا بعد أن صارت الأرض موجودة. وقوله : وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها مفسر بخلق الأشجار والنبات والحيوان فيها، ولا يمكن ذلك إلا بعد صيرورتها منبسطة. ثم قال بعد : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ، فاقتضى خلق السماء بعد خلق الأرض ودحوها. وأورد أيضا أن قوله تعالى للسماء