البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٠٥
وشرف، فينتصب على الحال، أي نازلين، وذو الحال الضمير المرفوع في يدعون. وقال الحسن : معنى نزلا منا، وقيل : ثوابا. وقرأ أبو حيوة : نزلا بإسكان الزاي.
ولما تقدم قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا، ذكر من دعا إلى ذلك فقال : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا : أي لا أحد أحسن قولا ممن يدعو إلى توحيد اللّه، ويعمل العمل الصالح، ويصرح أنه من المستسلمين لأمر اللّه المنقادين له، والظاهر العموم في كل داع إلى اللّه، وإلى العموم ذهب الحسن ومقاتل وجماعة. وقيل بالخصوص،
فقال ابن عباس : هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، دعا إلى الإسلام، وعمل صالحا فيما بينه وبين ربه، وجعل الإسلام نحلة.
وعنه أيضا : هم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقالت عائشة، وقيس بن أبي حازم، وعكرمة، ومجاهد : نزلت في المؤذنين، وينبغي أن يتأول قولهم على أنهم داخلون في الآية، وإلا فالسورة بكمالها مكية بلا خلاف. ولم يكن الأذان بمكة، إنما شرع بالمدينة، والدعاء إلى اللّه يكون بالدعاء إلى الإسلام وبجهاد الكفار وكف الظلمة. وقال زيد بن علي : دعا إلى اللّه بالسيف، وهذا، واللّه أعلم، هو الذي حمله على الخروج بالسيف على بعض الظلمة من ملوك بني أمية. وكان زيد هذا عالما بكتاب اللّه، وقد وقفت على جملة من تفسيره كتاب اللّه وإلقائه على بعض النقلة عنه وهو في حبس هشام بن عبد الملك، وفيه من العلم والاستشهاد بكلام العرب حظ وافر،
يقال : إنه كان إذا تناظر هو وأخوه محمد الباقر اجتمع الناس بالمحابر يكتبون ما يصدر عنهما من العلم، رحمهما اللّه ورضي عنهما.
وقال أبو العالية : وَعَمِلَ صالِحاً : صلى بين الأذان والإقامة. وقال عكرمة : صلى وصام. وقال الكلبي : أدّى الفرائض. وقال مجاهد : هي عامة في كل من جمع بين هذه الثلاثة أن يكون موحدا معتقدا لدين الإسلام، عاملا بالخير داعيا إليه، ومآلهم إلى طبقة العالمين العاملين من أهل العدل والتوحيد الدعاة إلى دين الإسلام.
انتهى، ويعني بذلك المعتزلة، يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد، ويوجد ذلك في أشعارهم، كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي، صاحب كتاب (الفلك الدائر في الرد على كتاب المثل السائر)، قال من كلامه : أنشدنا عنه الإمام الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه اللّه تعالى :
لولا ثلاث لم أخف صرعتي ليست كما قال فتى العبد
أن أنصر التوحيد والعدل في كل مقام باذلا جهدي
وأن أناجي اللّه مستمتعا بخلوة أحلى من الشهد


الصفحة التالية
Icon