البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٠٦
وأن أصول الدهر كبرا على كل لئيم أصعر
الخد لذاك أهوى لا فتاة ولا خمر ولا ذي ميعة نهد
وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ : ليس المعنى أنه تكلم بهذا، بل جعل الإسلام معتقده. كما تقول : هذا قول الشافعي، أي مذهبه. وقرأ ابن أبي عبلة، وإبراهيم بن نوح عن قتيبة الميال : وقال إني، بنون مشددة واحدة والجمهور : إنني بها وبنون الوقاية. وقال أبو بكر بن العربي : لم يشترط إلا إن شاء اللّه، ففيه رد على من يقول : أنا مسلم إن شاء اللّه. ولما ذكر تعالى أنه لا أحد أحسن ممن دعا إلى اللّه، ذكر ما يترتب على ذلك من حسن الأخلاق، وأن الداعي إلى اللّه قد يجافيه المدعو، فينبغي أن يرفق به ويتلطف في إيصال الخير فيه. قيل : ونزلت في أبي سفيان بن حرب، وكان عدوّا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فصار وليا مصافيا. وقال ابن عباس : الحسنة لا إله إلا اللّه، والسيئة الشرك. وقال الكلبي : الدعوتان إليهما. وقال الضحاك : الحلم والفحش. وعن علي : حب الرسول وآله وبغضهم.
وقيل :
الصبر والنفور. وقيل : المداراة والغلظة. وقيل : العفو والاقتصاد، وهذه أمثلة للحسنة والسيئة، لا على طريق الحصر.
ولما تفاوتت الحسنة والسيئة، أمر أن يدفع السيئة بالأحسن، وذلك مبالغة، ولم يقل :
ادفع بالحسنة السيئة، لأن من هان عليه الدفع بالأحسن هان عليه الدفع بالحسن، أي وإذا فعلت ذلك، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ صار لك كالولي : الصديق الخالص الصداقة، ولا في قوله : وَلَا السَّيِّئَةُ زائدة للتوكيد، كهي في قوله : وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ «١»، لأن استوى لا يكتفي بمفرد، فإن إحدى الحسنة والسيئة جنس لم تكن زيادتها كزيادتها في الوجه الذي قبل هذا، إذ يصير المعنى : ولا تستوي الحسنات، إذ هي متفاوتات في أنفسها، ولا السيئات لتفاوتها أيضا. قال ابن عطية : دخلت كأن للتشبيه، لأن الذي عنده عداوة لا يعود وليا حميما، وإنما يحسن ظاهره، فيشبه بذلك الولي الحميم، وعن ابن عباس : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة. وقال مجاهد، وعطاء : السلام عند اللقاء. انتهى، أي هو مبدأ الدفع بالأحسن، لأنه محصور فيه. وعن مجاهد أيضا : أعرض عن أذاهم. وقال أبو فراس الحمداني :
يجني عليّ وأجنو صافحا أبدا لا شيء أحسن من جان على جان