البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣١٠
وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ. وقيل : محذوف، وخبر إن يحذف لفهم المعنى.
وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال عمرو : معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به، وإنه لكتاب، فقال عيسى : أجدت يا أبا عثمان. وقال قوم : تقديره معاندون أو هالكون. وقال الكسائي : قد سد مسده ما تقدم من الكلام قبل إن، وهو قوله : أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ. انتهى، كأنه يريد : دل عليه ما قبله، فيمكن أن يقدر يخلدون في النار. وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ؟ قلت : هو بدل من قوله : إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا. انتهى. ولم يتعرض بصريح الكلام في خبر إن أمذكور هو أو محذوف، لكن قد ينتزع من كلامه هذا أنه تكلم فيه بطريق الإشارة إليه، لأنه ادّعى أن قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ بدل من قوله : إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ، فالمحكوم به على المبدل منه هو المحكوم به على البدل، فيكون التقدير : إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ، لا يخفون علينا. وقال ابن عطية : والذي يحسن في هذا هو إضمار الخبر بعد حَكِيمٍ حَمِيدٍ، وهو أشد إظهارا، لأن قوله : وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ داخل في صفة الذكر المكذب به، فلم يتم ذكر المخبر عنه إلا بعد استيفاء وصفه. انتهى، وهو كلام حسن.
والذي أذهب إليه أن الخبر مذكور، لكنه حذف منه عائد يعود على اسم إن، وذلك في قوله : لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ : أي الباطل منهم، أي الكافرون به، وحالة هذه لا يأتيه باطلهم، أي متى راموا فيه أن يكون ليس حقا ثابتا من عند اللّه وإبطالا له لم يصلوا إليه، أو تكون أل عوضا من الضمير على قول الكوفيين، أي لا يأتيه باطلهم، أو يكون الخبر قوله :
ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، أي أوحى إليك في شأن هؤلاء المكذبين لك. ولما جئت به مثل ما أوحى إلي من قبلك من الرسل، وهو أنهم عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك، وفي الآخرة بالعذاب الدائم. وغاية ما في هذين التوجيهين حذف الضمير العائد على اسم إن، وهو موجود، نحو قوله : السمن منوان بدرهم : أي منوان منه والبر كرّ بدرهم :
أي كر منه. وعن بعض نحاة الكوفة : الخبر في قوله : وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ، وهذا لا يتعقل. وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ : جملة حالية، كما تقول : جاء زيد وأن يده على رأسه، أي كفروا به، وهذه حاله وعزته كونه عديم النظير لما احتوى عليه من الإعجاز الذي لا يوجد في غيره من الكتب، أو غالب ناسخ لسائر الكتب والشرائع. وقال ابن عباس :
عزيز كريم على اللّه تعالى. وقال مقاتل : ممتنع من الشيطان. وقال السدي : غير مخلوق.