البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣١١
وقيل : وصف بالعزة لأنه لصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والإزراء عليه، وهو محفوظ من اللّه، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ من جعل خبر إن محذوفا، أو قوله : أُولئِكَ يُنادَوْنَ، كانت هذه الجملة في موضع الصفة على ما اخترناه من أحد الوجهين تكون الجملة في موضع خبر إن، والمعنى أن الباطل لا يتطرق إليه مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تمثيل : أي لا يجد الطعن سبيلا إليه من جهة من الجهات، فيتعلق به.
وأما ما ظهر من بعض الحمقى من الطعن على زعمهم، ومن تأويل بعضهم له، كالباطنية، فقد رد عليهم ذلك علماء الإسلام وأظهروا حماقاتهم. وقال قتادة : الباطل الشيطان، واللفظ لا يخص الشيطان. وقال ابن جبير والضحاك : مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ : أي كتاب من قبله فيبطله، ولا من بعده فيكون على هذا الباطل في معنى المبطل نحو : أورس النبات فهو وارس، أي مورس، أو يكون الباطل بمعنى المبطل مصدرا، فيكون كالعافية. وقيل : مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ : أي قبل أن يتم نزوله، وَلا مِنْ خَلْفِهِ : من بعد نزوله. وقيل عكس هذا.
وقيل : مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ : قبل أن ينزل، لأن الأنبياء بشرت به، فلم يقدر الشيطان أن يدحض ذلك، وَلا مِنْ خَلْفِهِ : بعد أن أنزل. وقال الطبري : مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ : لا يقدر ذو باطل أن يكيده بتغيير ولا تبديل، وَلا مِنْ خَلْفِهِ : لا يستطيع ذو باطل أن يلحد فيه.
تَنْزِيلٌ : أي هو تنزيل، مِنْ حَكِيمٍ : أي حاكم أو محكم لمعانيه، حَمِيدٍ : محمود على ما أسدى لعباده من تنزيل هذا الكتاب وغيره من النعم.
ما يُقالُ لَكَ : يقال مبني للمفعول، فاحتمل أن يكون القائل اللّه تعالى، كما تقدم تأويلها فيه، أي ما يوحي إليك اللّه إلا مثل ما أوحى إلى الرسل في شأن الكفار، كما تأولناه على أحد الوجهين أو في الشرائع. وجوزوا على أن القائل هو اللّه أن يكون. إِنَّ رَبَّكَ :
تفسير لقوله : ما قَدْ قِيلَ، فالمقول إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للطائعين، وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ للعاصين، وهذا التأويل فيه بعد، لأنه حصر ما أوحى اللّه إليه وإلى الرسل في قوله :
إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ، وهو تعالى قد أوحى إليه وإليهم أشياء كثيرة. فإذا أخذناه على الشرائع أو على عاقبة المكذبين كان الحصر صحيحا، وكان قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ استئناف إخبار عنه تعالى لا تفسير لما قد قيل. ويحتمل أن يكون القائل الكفار، أي ما يقول لك كفار قومك إلا ما قد قال كفار الرسل لهم من الكلام المؤذي والطعن فيما أنزل اللّه عليهم من الكتب. ثم أخبر تعالى أنه ذو مغفرة وذو عقاب أليم، وفيه الترجئة بالغفران، والزجر بالعقاب، وهو وعظ وتهديد. وقال قتادة : عزى اللّه نبيه وسلاه بقوله :