البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٨٣
بحت. ألا ترى إلى مناظرته له وردّه عليه وإفحامه بالحجة؟ والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، كلهم بلغاء. وقرأ الباقر : يبين، بفتح الياء، من بان إذا ظهر.
فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، قال مجاهد : كانوا إذا سودوا رجلا، سوروه سوارين وطوقوه بطوق من ذهب، علامة لسودده. قال فرعون : هلا ألقى رب موسى عليه أساورة من ذهب إن كان صادقا؟ وكان ذلك دليلا على إلقاء مقاليد الملك إليه، لما وصف نفسه بالعزة والملك، ووازن بينه وبين موسى عليه السلام، فوصفه بالضعف وقلة الأعضاد.
فاعترض فقال : إن كان صادقا، فهلا ملكه ربه وسوره وجعل الملائكة أنصاره؟ وقرأ الضحاك : فَلَوْ لا أُلْقِيَ مبنيا للفاعل، أي اللّه أساورة نصبا والجمهور : أساورة رفعا، وأبي وعبد اللّه : أساوير، والمفرد إسوار بمعنى سوار، والهاء عوض من الياء، كهي في زنادقة، هي عوض من ياء زناديق المقابلة لياء زنديق، وهذه مقابلة لألف أسوار. وقرأ الحسن، وقتادة، وأبو رجاء، والأعرج، ومجاهد، وأبو حيوة، وحفص : أسورة، جمع سوار، نحو : خمار وأخمرة. وقرأ الأعمش : أساور. ورويت عن أبي، وعن أبي عمرو، أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ : أي يحمونه ويقيمون حجته. قال ابن عباس : يعينونه على من خالفه. وقال السدي : يقارن بعضهم بعضا. وقال مجاهد : يمشون معه. وقال قتادة : متتابعين.
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ : أي استجهلهم لخفة أحلامهم، قاله ابن الاعرابي. وقال غيره :
حملهم على أن يخفوا لما يريد منهم، فأجابوه لفسقهم. فَلَمَّا آسَفُونا : منقول بالهمزة من أسف، إذا غضب والمعنى : فلما عملوا الأعمال الخبيثة الموجبة لأن لا يحلم عنهم.
وعن ابن عباس : أحزنوا أولياءنا المؤمنين نحو السحرة وبني إسرائيل. وعنه أيضا :
أغضبونا. وعن علي : أسخطونا.
وقيل : خالفوا. وقال القشيري وغيره : الغضب من اللّه، إما إرادة العقوبة، فهو من صفات الذات أو العقوبة، فيكون من صفات الفعل. وقرأ الجمهور : سلفا. قال ابن عباس، وزيد بن أسلم، وقتادة : أي متقدمين إلى النار، وهو مصدر سلف يسلف سلفا، وسلف الرجل آباؤه المتقدمون، والجمع أسلاف وسلاف. وقيل هو جمع سالف، كحارس وحرس، وحقيقته أنه اسم جمع، لأن فعلا ليس من أبنية الجموع المكسرة. وقال طفيل يرثي قومه :
مضوا سلفا قصد السبيل عليهم صروف المنايا والرجال تقلب
قال الفراء والزجاج : سلفا ليتعظ بهم الكفار المعاصرون للرسول. وقرأ أبو عبد اللّه