البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٨٦
ذلك. قال ابن عطية : لجعلنا بدلا منكم. وقال الزمخشري : ولو نشاء، لقدرتنا على عجائب الأمور وبدائع الفطر، لجعلنا منكم : لولدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض، كما يخلفكم أولادكم كما ولدنا عيسى من أنثى من غير فحل، لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة، ولتعلموا أن الملائكة أجسام لا تتولد إلا من أجسام، وذات القديم متعالية عن ذلك. انتهى، وهو تخريج حسن. ونحو من هذا التخريج قول من قال : لجعلنا من الأنس ملائكة، وإن لم تجر العادة بذلك. والجواهر جنس واحد، والاختلاف بالأوصاف.
يَخْلُفُونَ، قال السدي : يكونون خلفاءكم. وقال قتادة : يخلف بعضهم بعضا. وقال مجاهد : في عمارة الأرض. وقيل : في الرسالة بدلا من رسلكم. والظاهر أن الضمير في :
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ يعود على عيسى، إذ الظاهر في الضمائر السابقة أنها عائدة عليه.
وقال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والحسن، والسدي، والضحاك، وابن زيد : أي وإن خروجه لعلم للساعة يدل على قرب قيامها، إذ خروجه شرط من أشراطها، وهو نزوله من السماء في آخر الزمان. وقال الحسن، وقتادة أيضا، وابن جبير : يعود على القرآن على معنى أنه يدل إنزاله على قرب الساعة، أو أنه به تعلم الساعة وأهوالها. وقالت فرقة : يعود على النبي صلى اللّه عليه وسلم، إذ هو آخر الأنبياء، تميزت الساعة به نوعا وقدرا من التمييز، ونفى التحديد التام الذي انفرد اللّه تعالى بعلمه. وقرأ الجمهور : لعلم، مصدر علم. قال الزمخشري :
أي شرط من أشراطها تعلم به، فسمى العلم شرطا لحصول العلم به. وقرأ ابن عباس، وأبو هريرة، وأبو مالك الغفاري، وزيد بن علي، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، ومالك بن دينار، والأعمش، والكلبي. قال ابن عطية، وأبو نصرة : لعلم، بفتح العين واللام، أي لعلامة. وقرأ عكرمة به. قال ابن خالويه، وأبو نصرة : للعلم، معرفا بفتحتين.
فَلا تَمْتَرُنَّ بِها : أي لا تشكون فيها، وَاتَّبِعُونِ هذا : أي هداي أو شرعي.
وقيل : أي قل لهم يا محمد : واتبعوني هذا، أي الذي أدعوكم له، أو هذا القرآن كان الضمير في قال للقرآن، ثم حذرهم من إغواء الشيطان، ونبه على عداوته بِالْبَيِّناتِ : أي المعجزات، أو بآيات الإنجيل الواضحات. بِالْحِكْمَةِ : أي بما تقتضيه الحكمة الإلهية من الشرائع. قال السدي : بالحكمة : النبوة. وقال أيضا : قضايا يحكم بها العقل. وذكر القشيري والماوردي : الإنجيل. وقال الضحاك : الموعظة. وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ : وهو أمر الديانات، لأن اختلافهم يكون فيها، وفي غيرها من الأمور التي لا تتعلق بالديانات. فأمور الديانات بعض ما يختلفون فيه، وبين لهم في غيره ما احتاجوا