البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٣١
حم، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ، وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
هذه السورة مكية. وعن ابن عباس وقتادة، أن : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وفَاصْبِرْ كَما صَبَرَ، الآيتين مدنيتان. ومناسبة أولها لما قبلها، أن في آخر ما قبلها :
ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً «١»، وقلتم : إنه عليه الصلاة والسلام اختلقها، فقال تعالى : حم، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. وهاتان الصفتان هما آخر تلك، وهما أول هذه. وَأَجَلٍ مُسَمًّى : أي موعد لفساد هذه البنية. قال ابن عباس : هو القيامة وقال غيره : أي أجل كل ملخوق. عَمَّا أُنْذِرُوا : يحتمل أن تكون ما مصدرية، وأن تكون بمعنى الذي. قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ : معناه أخبروني عن الذين تدعون من دون اللّه، وهي الأصنام. أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ : استفهام توبيخ، ومفعول أرأيتم الأول هو ما تدعون. وماذا خلقوا : جملة استفهامية يطلبها أرأيتم، لأن مفعولها الثاني يكون استفهاما، ويطلبها أروني على سبيل التعليق، فهذا من باب الإعمال، أعمل الثاني وحذف مفعول أرأيتم الثاني. ويمكن أن يكون أروني توكيدا لأرأيتم، بمعنى أخبروني، وأروني :
أخبروني، كأنهما بمعنى واحد.
وقال ابن عطية : يحتمل أرأيتم وجهين : أحدهما : أن تكون متعدية، وما مفعولة بها ويحتمل أن تكون أرأيتم منبهة لا تتعدى، وتكون ما استفهاما على معنى التوبيخ، وتدعون معناه : تعبدون. انتهى.