البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٤٥
وقال ابن عباس : هي جبل بالشام. قال ابن عطية : والصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن، ولهم كانت إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ «١»، وفي ذكر هذه القصة اعتبار لقريش وتسلية للرسول، إذ كذبه قومه، كما كذبت عاد هودا عليه السلام. والجملة من قوله : وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ :
وهو جمع نذير، مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، يحتمل أن تكون حالا من الفاعل في :
النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وهم الرسل الذين تقدموا زمانه، ومن خلفه الرسل الذين كانوا في زمانه، ويكون على هذا معنى وَمِنْ خَلْفِهِ : أي من بعد إنذاره ويحتمل أن يكون اعتراضا بين إنذار قومه وأن لا تعبدوا. والمعنى : وقد أنذر من تقدمه من الرسل، ومن تأخر عنه مثل ذلك، فاذكرهم.
قالُوا أَجِئْتَنا : استفهام تقرير، وتوبيخ وتعجيز له فيما أنذره إياهم من العذاب العظيم على ترك إفراد اللّه بالعبادة. لِتَأْفِكَنا : لتصرفنا، قاله الضحاك أو لتزيلنا عن آلهتنا بالإفك، وهو الكذب، أي عن عبادة آلهتنا، فَأْتِنا بِما تَعِدُنا : استعجال منهم بحلول ما وعدهم به من العذاب. ألا ترى إلى قوله : بل هو ما استعجلتم به؟ قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ : أي علم وقت حلوله، وليس تعيين وقته إليّ، وإنما أنا مبلغ ما أرسلني به اللّه إليكم. ولما تحقق عنده وعد اللّه، وأنه حال بهم وهم في غفلة من ذلك وتكذيب، قال : وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ : أي عاقبة أمركم لا شعور لكم بها، وذلك واقع لا محالة. وكانت عاد قد حبس اللّه عنها المطر أياما، فساق اللّه إليهم سحابة سوداء خرجت عليهم من واد يقال له المغيث، فاستبشروا. والضمير في رَأَوْهُ الظاهر أنه عائد على ما في قوله : بِما تَعِدُنا، وهو العذاب، وانتصب عارضا على الحال من المفعول. وقال ابن عطية، ويحتمل أن يعود على الشيء المرئي الطالع عليهم، الذي فسره قوله : عارِضاً.
وقال الزمخشري : فَلَمَّا رَأَوْهُ، في الضمير وجهان : أن يرجع إلى ما تعدنا، وأن يكون مبهما، قد وضح أمره بقوله : عارِضاً، إما تمييز وإما حال، وهذا الوجه أعرب وأفصح. انتهى. وهذا الذي ذكر أنه أعرب وأفصح ليس جاريا على ما ذكره النحاة، لأن المبهم الذي يفسره ويوضحه التمييز لا يكون إلا في باب رب، نحو : رب رجلا لقيته، وفي باب نعم وبئس على مذهب البصريين، نحو : نعم رجلا زيد، وبئس غلاما عمرو. وأما أن الحال يوضح المبهم ويفسره، فلا نعلم أحدا ذهب إليه، وقد حصر النحاة المضمر الذي