البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٦٧
الإنكار إرادة أن يصور قبح ما أذن به، فكأنه قال : نعم مثلي يفرح بمرزأة الكرام، وبأن يستبدل منهم ذودا يقل طائله، وهو من التسليم الذي تحته كل إنكار. انتهى. وتلخص من هذا الاتفاق على إعراب : مَثَلُ الْجَنَّةِ مبتدأ، واختلفوا في الخبر، فقيل : هو مذكور، وهو : كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ. وقيل : محذوف، فقيل : مقدر قبله، وهو قول سيبويه.
وقيل : بعده، وهو قول النضر وابن عطية على اختلاف التقدير. ولما بين الفرق بين الفريقين في الاهتداء والضلال، بين الفرق بينهما فيما يؤولان إليه. وكما قدم من على بينة، على من اتبع هواه، قدّم حاله على حاله.
وقرأ ابن كثير وأهل مكة : آسن، على وزن فاعل، من أسن، بفتح السين وقرىء :
غير ياسن بالياء. قال أبو علي : وذلك على تخفيف الهمز. لَمْ يَتَغَيَّرْ، وغيره.
ولَذَّةٍ : تأنيث لذ، وهو اللذيذ، ومصدر نعت به، فالجمهور بالجر على أنه صفة لخمر، وقرىء بالرفع صفة لأنهار، وبالنصب : أي لأجل لذة، فهو مفعول له. مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى قال ابن عباس : لم يخرج من بطون النحل. قيل : فيخالطه الشمع وغيره، ووصفه بمصفى لأن الغالب على العسل التذكير، وهو مما يذكر ويؤنث. وعن كعب : أن النيل ودجلة والفرات وجيحان، تكون هذه الأنهار في الجنة. واختلف في تعيين كل، فهو منها لما ذا يكون ينزل، وبدىء من هذه الأنهار بالماء، وهو الذي لا يستغنى عنه في المشروبات، ثم باللبن، إذ كان يجري مجرى الطعوم في كثير من أقوات العرب وغيرهم، ثم بالخمر، لأنه إذا حصل الري والمطعوم تشوقت النفس إلى ما تلتذ به، ثم بالعسل، لأن فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم، فهو متأخر في الهيئة.
وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، وقيل : المبتدأ محذوف، أي أنواع من كل الثمرات، وقدره بعضهم بقوله : زوجان. وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ : لأن المغفرة قبل دخول الجنة، أو على حذف، أي بنعيم مغفرة، إذ المغفرة سبب التنعيم. وَسُقُوا : عائد على معنى من، وهو خالد على اللفظ وكذا : خَرَجُوا : على معنى من يستمع. كان المنافقون يحضرون عند الرسول ويستمعون كلامه وتلاوته، فإذا خرجوا، قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وهم السامعون كلام الرسول حقيقة الواعون له : ما ذا قالَ آنِفاً؟ أي الساعة، وذلك على سبيل الهزء والاستخفاف، أي لم نفهم ما يقول، ولم ندر ما نفع ذلك.
وممن سألوه : ابن مسعود. وآنفا : حال أي مبتدأ، أي : ما القول الذي ائتنفه قبل انفصاله عنه؟ وقرأ الجمهور : آنفا، على وزن فاعل وابن كثير : على وزن فعل. وقال


الصفحة التالية
Icon