البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٨٦
ظَنَّ السَّوْءِ يشمل ظنونهم الفاسدة من الشرك، كما قال : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ «١»، ومن انتفاء رؤية اللّه تعالى الأشياء وعلمه بها كما قال : وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً «٢» بطلان خلق العالم، كما قال : ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا «٣». وقيل : السوء هنا كما تقول : هذا فعل سوء. وقرأ الحسن : السوء فيهما بضم السين.
وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً : لما تقدم تعذيب الكفار والانتقام منهم، ناسب ذكر العزة. ولما وعد تعالى بمغيبات، ناسب ذكر العلم، وقرن باللفظتين ذكر جنود السموات والأرض فمنها السكينة التي للمؤمنين والنقمة للمنافقين والمشركين، ومن جنود اللّه الملائكة في السماء، والغزاة في سبيل اللّه في الأرض. وقرأ الجمهور : لِتُؤْمِنُوا، وما عطف عليه بتاء الخطاب وأبو جعفر، وأبو حيوة، وابن كثير، وأبو عمرو : بياء الغيبة والجحدري : بفتح التاء وضم الزاي خفيف وهو أيضا، وجعفر بن محمد كذلك، إلا أنهم كسروا الزاي وابن عباس، واليماني : بزاءين من العزة وتقدم الكلام في وعزّروه في الأعراف. والظاهر أن الضمائر عائدة على اللّه تعالى، وتفريق الضمائر يجعلها للرسول صلى اللّه عليه وسلم، وبعضها للّه تعالى، حيث يليق قول الضحاك. بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قال ابن عباس : صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر.
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ : هي بيعة الرضوان وبيعة الشجرة، حين أخذ الرسول صلى اللّه عليه وسلم الأهبة لقتال قريش، حين أرجف بقتل عثمان بن عفان، فقد بعثه إلى قريش يعلمهم أنه جاء معتمرا لا محاربا، وذلك قبل أن ينصرف من الحديبية، بايعهم على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد، ولذلك قال سلمة بن الأكوع وغيره : بايعنا على الموت.
وقال ابن عمر، وجابر : على أن لا نفر. والمبايعة : مفاعلة من البيع، لأن اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ «٤»، وبقي اسم البيعة بعد على معاهدة الخلفاء والملوك. إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أي صفقتهم، إنما يمضيها ويمنح الثمن اللّه عز وجل. وقرأ تمام بن العباس بن عبد المطلب : إنما يبايعون للّه، أي لأجل اللّه ولوجهه والمفعول محذوف، أي إنما يبايعونك للّه.
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. قال الجمهور : اليد هنا النعمة، أي نعمة اللّه في هذه المبايعة، لما يستقبل من محاسنها، فوق أيديهم التي مدوها لبيعتك. وقيل : قوة اللّه فوق
(٢) سورة فصلت : ٤١/ ٢٢.
(٣) سورة ص : ٣٨/ ٢٧. [.....]
(٤) سورة التوبة : ٩/ ١١١.