البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٨٩
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
والمؤنث، حكى أبو عبيدة : امرأة بور، والمثنى والمجموع. وقيل : يجوز أن يكون جمع بائر، كحائل، وحول هذا في المعتل، وباذل وبذل في الصحيح، وفسر بورا :
بفاسدين هلكى. وقال ابن بحر : أشرار. واحتمل وكنتم، أي يكون المعنى : وصرتم بذلك الظن، وأن يكون وكنتم على بابها، أي وكنتم في الأصل قوما فاسدين، أي الهلاك سابق لكم على ذلك الظن. ولما أخبر تعالى أنهم قوم بور، ذكر ما يدل على أنهم ليسوا بمؤمنين فقال : وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فهو كافر جزاؤه السعير. ولما كانوا ليسوا مجاهدين بالكفر، ولذلك اعتذروا وطلبوا الاستغفار، مزج وعيدهم وتوبيخهم ببعض الإمهال والترجئة. وقال الزمخشري : وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يدبره تدبير قادر حكيم، فيغفر ويعذب بمشيئته، ومشيئته تابعة لحكمته، وحكمته المغفرة للتائب وتعذيب المصر.
وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، رحمته سابقة لرحمته، حيث يكفر السيئات باجتناب الكبائر بالتوبة. انتهى. وهو على مذهب الاعتزال.
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ :
روي أن اللّه تعالى أمر نبيه صلى اللّه عليه وسلم يغزو خيبر، ووعده بفتحها، وأعلمه أن المخلفين إذا رأوا مسيره إلى خيبر، وهم عدو مستضعف، طلبوا الكون معه رغبة في عرض الدنيا من الغنيمة، وكان كذلك.
يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ : معناه أن يغيروا وعده لأهل الحديبية بغنيمة خيبر، وذلك أنه وعدهم أن يعوضهم من مغانم مكة خيبر، إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منها شيئا، قاله مجاهد وقتادة، وعليه عامة أهل التأويل. وقال ابن زيد : كَلامَ اللَّهِ : قوله تعالى : فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا «١»، وهذا لا يصح، لأن هذه الآية نزلت مرجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من تبوك في آخر عمره. وهذه السورة نزلت عام الحديبية، وأيضا فقد غزت مزينة وجهينة بعد هذه المدة معه عليه الصلاة والسلام، وفضلهم بعد على تميم وغطفان وغيرهم من العرب. وقرأ الجمهور : كلام اللّه، بألف والإخوان : كلم اللّه، جمع كلمة، وأمره تعالى أن يقول لهم : لَنْ تَتَّبِعُونا، وأتى بصيغة لن، وهي للمبالغة في النفي، أي لا يتم لكم ذلك، إذ قد وعد تعالى أن ذلك لا يحضرها إلا أهل الحديبية فقط. كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ : يريد وعده قبل اختصاصهم بها. بَلْ تَحْسُدُونَنا : أي يعز عليكم أن نصيب مغنما معكم، وذلك على سبيل الحسد أن نقاسمكم فيما تغنمون. وقرأ أبو حيوة : بكسر السين، ثم رد عليهم تعالى

(١) سورة التوبة : ٩/ ٨٣.


الصفحة التالية
Icon