البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٥٦
والسلام مضيافا، وحسبك وقف للضيافة أوقافا تمضيها الأمم على اختلاف أديانها وأجناسها.
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ : فيه أدب المضيف من تقريب القرا لمن يأكل، وفيه العرض على الأكل فإن في ذلك تأنيسا للآكل، بخلاف من قدم طعاما ولم يحث على أكله، فإن الحاضر قد يتوهم أنه قدمه على سبيل التجمل، عسى أن يمتنع الحاضر من الأكل، وهذا موجود في طباع بعض الناس. حتى أن بعضهم إذا لج الحاضر وتمادى في الأكل، أخذ من أحسن ما أحضر وأجزله، فيعطيه لغلامه برسم رفعه لوقت آخر يختص هو بأكله. وقيل :
الهمزة في ألا للإنكار، وكأنه ثم محذوف تقديره : فامتنعوا من الأكل، فأنكر عليهم ترك الأكل فقال : أَلا تَأْكُلُونَ. وفي الحديث :«إنهم قالوا إنا لا نأكل إلا ما أدينا ثمنه، فقال لهم : وإني لا أبيحه لكم إلا بثمن، قالوا : وما هو؟ قال : أن تسموا اللّه عز وجل عند الابتداء وتحمدوه عند الفراغ من الأكل، فقال بعضهم لبعض : بحق اتخذه اللّه خليلا».
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً : أي فلما استمروا على الامتناع من الأكل، أوجس منهم خيفة، وذلك أن أكل الضيف أمنة ودليل على انبساط نفسه، وللطعام حرمة وذمام، والامتناع منه وحشة. فخشي إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن امتناعهم من أكل طعامهم إنما هو لشر يريدونه، فقالوا لا تخف، وعرفوه أنهم ملائكة. وعن ابن عباس : وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب. وعلمهم بما أضمر في نفسه من الخوف، إنما يكون باطلاع اللّه ملائكته على ما في نفسه، أو بظهور أمارته في الوجه، فاستدلوا بذلك على الباطن.
وعن يحيى بن شداد : مسح جبريل عليه السلام بجناحه العجل، فقام يدرج حتى لحق بأمه. بِغُلامٍ عَلِيمٍ : أي سيكون عليما، وفيه تبشير بحياته حتى يكون من العلماء. وعن الحسن : عليم نبي والجمهور : على أن المبشر به هو إسحاق بن سارة. وقال مجاهد : هو إسماعيل. وقيل : علم أنهم ملائكة من حيث بشروه بغيب، ووقعت البشارة بعد التأنيس والجلوس، وكانت البشارة بذكر، لأنه أسر للنفس وأبهج، ووصفه بعليم لأنها الصفة التي يختص بها الإنسان الكامل إلا بالصورة الجميلة والقوة.
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ : أي إلى بيتها، وكانت في زاوية تنظر إليهم وتسمع كلامهم. وقيل : فَأَقْبَلَتِ، أي شرعت في الصياح. قيل : وجدت حرارة الدم، فلطمت وجهها من الحياء. والصرة، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وسفيان : الصيحة. قال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon