البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٥٩
من بينهم وتهلكه. تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ، قال الحسن : هذا كان حين بعث إليهم صالح، أمروا بالإيمان بما جاء به، والتمتع إلى أن تأتي آجالهم، ثم إنهم عتوا بعد ذلك، ولذلك جاء العطف بالفاء المقتضية تأخر العتو عن ما أمروا به، فهو مطابق لفظا ووجود. وقال الفراء : هذا الأمر بالتمتع كان بعد عقر الناقة، والحين ثلاثة أيام التي أوعدوا في تمامها بالعذاب. فالعتو كان قد تقدم قبل أن يقال لهم تمتعوا، ولا ضرورة تدعو إلى قول الفراء، إذ هو غير مرتب في الوجود. وقرأ الجمهور : الصاعقة وعمر وعثمان رضي اللّه تعالى عنهما، والكسائي : الصعقة، وهي الصيحة هنا. وقرأ الحسن : الصاعقة وزيد بن علي كقراءة الكسائي. وَهُمْ يَنْظُرُونَ : أي فجأة، وهم ينظرون بعيونهم، قاله الطبري : وكانت نهارا. وقال مجاهد : وَهُمْ يَنْظُرُونَ ينتظرون ذلك في تلك الأيام الثلاثة التي أعلموه فيها، ورأوا علاماته في قلوبهم، وانتظار العذاب أشد من العذاب.
فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ، لقوله : فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ «١»، ونفي الاستطاعة أبلغ من نفي القدرة. وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ، أبلغ من نفي الانتصار : أي فما قدروا على الهرب، ولا كانوا ممن ينتصر لنفسه فيدفع ما حل به. وقيل : مِنْ قِيامٍ، هو من قولهم : ما يقوم به إذا عجز عن دفعه، فليس المعنى انتصاب القامة، قاله قتادة. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي : وَقَوْمَ بالجر عطفا على ما تقدم، أي وفي قوم نوح، وهي قراءة عبد اللّه. وقرأ باقي السبعة، وأبو عمرو في رواية : بالنصب. قيل : عطفا على الضمير في فَأَخَذَتْهُمُ وقيل : عطفا على نَبَذْناهُمْ
، لأن معنى كل منهما : فأهلكناهم.
وقيل : منصوب بإضمار فعل تقديره : وأهلكنا قوم نوح، لدلالة معنى الكلام عليه. وقيل :
باذكر مضمرة. وروى عبد الوارث، ومحبوب، والأصمعي عن أبي عمرو، وأبو السمال، وابن مقسم : وقوم نوح بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف، أي أهلكناهم.
قوله عز وجل : وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ. وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ، وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، ما أُرِيدُ

(١) سورة الأعراف : ٧/ ٧٨ - ٩١، وسورة هود : ١١/ ٦٧ - ٩٤، وسورة العنكبوت : ٢٩/ ٣٧.


الصفحة التالية
Icon