البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٦٠
مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ.
أي : وبنينا السماء، فهو من باب الاشتغال، وكذا وفرشنا الأرض. وقرأ أبو السمال، ومجاهد، وابن مقسم : برفع السماء ورفع الأرض على الابتداء. بِأَيْدٍ : أي بقوة، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، وهو كقوله : داوُدَ ذَا الْأَيْدِ «١». وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ : أي بناءها، فالجملة حالية، أي بنيناها موسعوها، كقوله : جاء زيد وإنه لمسرع، أي مسرعا، فهي بحيث أن الأرض وما يحيط من الماء والهواء كالنقطة وسط الدائرة. وقال ابن زيد قريبا من هذا وهو : أن الوسع راجع إلى السماء. وقيل : لموسعون قوة وقدرة، أي لقادرون من الوسع، وهو الطاقة. وقال الحسن : أوسع الرزق بالمطر والماء.
فَنِعْمَ الْماهِدُونَ، وخَلَقْنا زَوْجَيْنِ، قال مجاهد : إشارة إلى المتضادات والمتقابلات، كالليل والنهار، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلال، والسماء والأرض، والسواد والبياض، والصحة والمرض، والكفر والإيمان، ونحو ذلك، ورجحه الطبري بأنه أدل على القدرة التي توجد الضدين، بخلاف ما يفعل بطبعه، كالتسخين والتبريد. ومثل الحسن بأشياء مما تقدم وقال : كل اثنين منها زوج، واللّه تعالى فرد لا مثل له. وقال ابن زيد وغيره : مِنْ كُلِّ شَيْءٍ : أي من الحيوان، خَلَقْنا زَوْجَيْنِ : ذكرا وأنثى. وقيل :
المراد بالشيء الجنس، وما يكون تحت الجنس نوعان : فمن كل جنس خلق نوعين من الجواهر، مثل النامي والجامد. ومن النامي المدرك والنبات، ومن المدرك الناطق والصامت، وكل ذلك يدل على أنه فرد لا كثرة فيه. لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ : أي بأني باني السماء وفارش الأرض وخالق الزوجين، تعالى أن يكون له زوج. أو تذكرون أنه لا يعجزه حشر الأجساد وجمع الأرواح. وقرأ أبي : يتذكرون، بتاءين وتخفيف الذال. وقيل : إرادة أن تتذكروا، فتعرفوا الخالق وتعبدوه.
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ : أمر بالدخول في الإيمان وطاعة اللّه، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار، لينبه على أن وراء الناس عقاب وعذاب. وأمر حقه أن يفر منه، فجمعت لفظة ففروا بين التحذير والاستدعاء. وينظر إلى هذا المعنى
قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك»
، قاله ابن عطية، وهو تفسير حسن. وقال الزمخشري : إلى طاعته وثوابه من معصيته