البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٦٧
الكعبة يقال له الضراح، والضريح أيضا، وهو الذي ذكر في حديث الإسراء، قال جبريل : هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم.
وقال مجاهد وقتادة وابن زيد : في كل سماء بيت معمور، وفي كل أرض كذلك.
وسأل ابن الكواء عليا، رضي اللّه تعالى عنه فقال : بيت فوق سبع سموات تحت العرش يقال له الضراح.
وقال الحسن : البيت المعمور : الكعبة، يعمره اللّه كل سنة بستمائة ألف، فإن عجز من الناس أتمه اللّه بالملائكة. وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ : السماء، قال ابن عباس : هو العرش، وهو سقف الجنة.
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، قال مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش : هو البحر الموقد نارا. وروي أن البحر هو جهنم.
وقال قتادة : البحر المسجور :
المملوء، وهذا معروف من اللغة، ورجحه الطبري بوجود ماء البحر كذلك، ولا ينافي ما قاله مجاهد، لأن سجرت التنور معناه : ملأته بما يحترق. وقال ابن عباس : المسجور :
الذي ذهب ماؤه. وروى ذو الرمة الشاعر، عن ابن عباس قال : خرجت أمة لتستقي، فقالت : إن الحوض مسجور : أي فارغ، وليس لذي الرمة حديث إلا هذا، فيكون من الأضداد. ويروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة. وقال ابن عباس أيضا : المسجور :
المحبوس، ومنه ساجور الكلب : وهي القلادة من عود أو حديد تمسكه، ولو لا أن البحر يمسك، لفاض على الأرض. وقال الربيع : المسجور : المختلط العذب بالملح. وقيل :
المفجور، ويدل عليه : وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ «١». والجمهور : على أن البحر المقسم به هو بحر الدنيا، ويؤيده : وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ «٢». وعن علي وابن عمر : أنه في السماء تحت العرش فيه ماء غليظ يقال له بحر الحياة، يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا، فينبتون في قبورهم.
وقال قتيبة بن سعيد : هو جهنم، وسماها بحرا لسعتها وتموجها. كما جاء في الفرس : وإن وجدناه لبحرا. قيل : ويحتمل أن تكون الجملة في القسم بالطور والبحر والبيت، لكونها أماكن خلوة مع اللّه تعالى، خاطب منها ربهم رسله.
فالطور، قال فيه موسى : أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ «٣»، والبيت المعمور لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، والبحر المسجور ليونس، قال : لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ «٤»، فشرفت هذه الأماكن بهذه الأسباب. والقسم بكتاب مسطور، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان لهم مع اللّه في
(٢) سورة التكوير : ٨١/ ٦. [.....]
(٣) سورة الأعراف : ٧/ ١٤٣.
(٤) سورة الأنبياء : ٢١/ ٨٧.