البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٦٨
هذه الأماكن كلام. واقترانه بالطور دل على ذلك. والقسم بالسقف المرفوع لبيان رفعة البيت المعمور. انتهى. ونكر وكتاب، لأنه شامل لكل كتاب أنزله اللّه شمول البدل، ويحتمل أن يكون شمول العموم، كقوله : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ «١». وكونه في رق، يدل على ثبوته، وأنه لا يتخطى الرؤوس. ووصفه بمنشور يدل على وضوحه، فليس كالكتاب المطوي الذي لا يعلم ما انطوى عليه، والمنشور يعلم ما فيه، ولا يمنع من مطالعة ما تضمنه والواو الأولى واو القسم، وما بعدها للعطف. والجملة المقسم عليها هي قوله :
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ. وفي إضافة العذاب لقوله : رَبِّكَ لطيفة، إذ هو المالك والناظر في مصلحة العبد. فبالإضافة إلى الرب، وإضافته لكاف الخطاب أمان له صلى اللّه عليه وسلم وإن العذاب لواقع هو بمن كذابه، ولواقع على الشدة، وهو أدل عليها من لكائن. ألا ترى إلى قوله : إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ «٢»، وقوله : وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ «٣»، كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حل به؟ وعن جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أسارى بدر، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب : وَالطُّورِ إلى إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ، فكأنما صدع قلبي، فأسلمت خوفا من نزول العذاب، وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب.
وقرأ زيد بن علي : واقع بغير لام. قال قتادة : يريد عذاب الآخرة للكفار، أي لواقع بالكفار.
ومن غريب ما يحكى أن شخصا رأى في النوم في كفه مكتوبا خمس واوات، فعبر له بخير، فسأل ابن سيرين، فقال : تهيأ لما لا يسر، فقال له : من أين أخذت هذا؟ فقال : من قوله تعالى : وَالطُّورِ إلى إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ، فما مضى يومان أو ثلاثة حتى أحيط بذلك الشخص. وانتصب يوم بدافع، قاله الحوفي، وقال مكي : لا يعمل فيه واقع، ولم يذكر دليل المنع. وقيل : هو منصوب بقوله : لَواقِعٌ، وينبغي أن يكون ما لَهُ مِنْ دافِعٍ على هذا جملة اعتراض بين العامل والمعمول. قال ابن عباس : تَمُورُ :
تضطرب. وقال أيضا : تشقق. وقال الضحاك : يموج بعضها في بعض. وقال مجاهد :
تدور. وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً، هذا في أول الأمر، ثم تنسف حتى تصير آخرا كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ «٤». فَوَيْلٌ : عطف على جملة تتضمن ربط المعنى وتأكيده، والخوض :
التخبط في الباطل، وغلب استعماله في الاندفاع في الباطل.

(١) سورة التكوير : ٨١/ ١٤.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦/ ١.
(٣) سورة الشورى : ٤٢/ ٢٢.
(٤) سورة القارعة : ١٠١/ ٥.


الصفحة التالية
Icon