البحر المحيط، ج ٩، ص : ٨٠
جسده وقلة عقله وخلوه من الفهم، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله، وفي هذا كله دليل على أن من فعل هذه الأفاعيل قادر على أن يطمس وأن يفعل بهم ما أراد. وقرأ الجمهور : نُنَكِّسْهُ، مشددا وعاصم، وحمزة : مخففا. وقرأ نافع، وابن ذكوان، وأبو عمرو في رواية عباس : تعقلون بتاء الخطاب وباقي السبعة : بياء الغيبة.
وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ : الضمير في علمناه للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، كانوا يقولون فيه شاعر.
وروي أن القائل عقبة بن أبي معيط، فنفى اللّه ذلك عنه، وقولهم فيه شاعر. أما من كان في طبعه الشعر، فقوله مكابرة وإيهام للجاهل بالشعر وأما من ليس في طبعه، فقوله جهل محض. وأين هو من الشعر؟ والشعر إنما هو كلام موزون مقفى يدل على معنى تنتخبه الشعراء من كثرة التخييل وتزويق الكلام، وغير ذلك مما يتورع المتدين عن إنشاده، فضلا عن إنشائه : وكان عليه السلام لا يقول الشعر، وإذا أنشد بيتا أحرز المعنى دون وزنه، كما أنشد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزود بالأخبار
وقيل : من أشعر الناس، فقال الذي يقول :
ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بها وإن لم تطيب طيبا
أتجعل نهبي ونهب العبي د بين الأقرع وعيينة
وأنشد يوما :
كفى بالإسلام والشيب ناهيا فقال أبو بكر وعمر : نشهد أنك رسول اللّه، إنما قال الشاعر : كفى الشيب والإسلام، وربما أنشد البيت متزنا في النادر. وروي عنه أنشد بيت ابن رواحة :
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
ولا يدل إجراء البيت على لسانه متزنا أنه يعلم الشعر، وقد وقع في كلامه عليه السلام ما يدخله الوزن
كقوله :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وكذلك قوله :
هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل اللّه ما لقيت


الصفحة التالية
Icon