البحر المحيط، ج ٩، ص : ٩١
والشتاء ومغربيهما. وقال ابن عطية : أراد تعالى مشارق الشمس ومغاربها، وهي مائة وثمانون في السنة، فيما يزعمون، من أطول أيام السنة إلى أقصرها.
ثم أخبر تعالى عن قدرته بتزيين السماء بالكواكب، وانتظام التزيين أن جعلها حفظا وحذرا من الشيطان. انتهى. والزينة مصدر كالسنة، واسم لما يزان به الشيء، كالليقة اسم لما يلاق به الدواة. وقرأ الجمهور : بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ بالإضافة، فاحتمل المصدر مضافا للفاعل، أي بأن زانت السماء الكواكب، ومضافا للمفعول، أي بأن زين اللّه الكواكب.
واحتمل أن يكون ما يزان به، والكواكب بيان للزينة، لأن الزينة مبهمة في الكواكب وغيرها مما يزان به، أو مما زينت الكواكب من إضاءتها وثبوتها. وقرأ ابن مسعود، ومسروق :
بخلاف عنه وأبو زرعة، وابن وثاب، وطلحة : بزينة منونا، الكواكب بالخفض بدلا من زينة. وقرأ ابن وثاب، ومسروق : بخلاف عنهما والأعمش، وطلحة، وأبو بكر : بزينة منونا، الكواكب نصبا، فاحتمل أن يكون بزينة مصدرا، والكواكب مفعول به، كقوله : أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً «١». واحتمل أن يكون الكواكب بدلا من السماء، أي زينا كواكب السماء. وقرأ زيد بن علي بتنوين زينة، ورفع الكواكب على خبر مبتدأ، أي هو الكواكب، أو على الفاعلية بالمصدر، أي بأن زينت الكواكب. ورفع الفاعل بالمصدر المنون، زعم الفراء أنه ليس بمسموع، وأجاز البصريون ذلك على قلة. وقال ابن عباس :
بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ : بضوء الكواكب قيل : ويجوز أن يراد أشكالها المختلفة، كشكل الثريا، وبنات نعش، والجوزاء، وغير ذلك، ومطالعها ومسايرها. وخص السَّماءَ الدُّنْيا بالذكر، لأنها التي تشاهد بالأبصار والحفظ من الشياطين، إنما هو فيها وحدها. وانتصب وَحِفْظاً على المصدر، أي وحفظناها حفظا، أو على المفعول من أجله على زيادة الواو، أو على تأخير العامل، أي ولحفظها زيناها بالكواكب، وحملا على معنى ما تقدم، لأن المعنى : إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا : وكل هذه الأقوال منقولة، والمارد تقدم شرحه في قوله : شَيْطاناً مَرِيداً «٢» في النساء، وهناك جاء مَرِيداً، وهنا مارِدٍ، مراعاة للفواصل.
لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى : كلام منقطع مبتدأ اقتصاصا لما عليه حال المسترقة للسمع، وأنهم لا يقدرون أن يستمعوا أو يسمعوا، وهم مقذوفون بالشهب مبعدون
(٢) سورة النساء : ٤/ ١١٧.