مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ١١٢
تسمية اللّه باسم الشيء، فإن قيل : لو كان الكلام مقصورا على قوله : قُلِ اللَّهُ لكان دليلكم حسنا، لكن ليس الأمر كذلك بل المذكور هو قوله تعالى : قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام : ١٩] وهذا كلام مستقل بنفسه، ولا تعلق له بما قبله، وحينئذ لا يلزم أن يكون اللّه تعالى مسمى باسم الشيء قلنا : لما قال : أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً ثم قال : قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وجب أن تكون هذه الجملة جارية مجرى الجواب عن قوله :
أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً وحينئذ يلزم المقصود.
الحجة الثانية : قوله تعالى : كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص : ٨] والمراد بوجهه ذاته، ولو لم تكن ذاته شيئا لما جاز استثناؤه عن قوله : كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ وذلك يدل على أن اللّه تعالى مسمى بالشيء.
الحجة الثالثة :
قوله عليه السلام في خبر عمران بن الحصين :«كان اللّه ولم يكن شيء غيره»
وهذا يدل على أن اسم الشيء يقع على اللّه تعالى.
الحجة الرابعة :
روى عبد اللّه الأنصاري في الكتاب الذي سماه «بالفاروق» عن عائشة رضي اللّه عنها أنها سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول :«ما من شيء أغير من اللّه عزّ وجلّ».
الحجة الخامسة : أن الشيء عبارة عما يصح أن يعلم ويخبر عنه، وذات اللّه تعالى كذلك، فيكون شيئا.
واحتج جهم بوجوه : الحجة الأولى : قوله تعالى : اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر : ٦٢] وكذلك قوله :
وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة : ١٧] فهذا يقتضي أن يكون كل شيء مخلوقا ومقدورا، واللّه تعالى ليس بمخلوق ولا مقدور، ينتج أن اللّه سبحانه وتعالى ليس بشيء. فإن قالوا إن قوله تعالى : اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وقوله : وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك : ١] عام دخله التخصيص، قلنا الجواب عنه من وجهين : الأول : أن التخصيص خلاف الأصل، والدلائل اللفظية يكفي في تقريرها هذا القدر، الثاني : أن الأصل في جواز التخصيص هو أن أهل العرف يقيمون الأكثر مقام الكل، فلهذا السبب جوزوا دخول التخصيص في العموميات، إلا أن إجراء الأكثر مجرى الكل إنما يجوز في الصورة التي يكون الخارج عن الحكم حقيرا قليل القدر فيجعل وجوده كعدمه، ويحكم على الباقي بحكم الكل، فثبت أن التخصيص إنما يجوز في الصورة التي تكون حقيرة ساقطة الدرجة إذا عرفت هذا فنقول : إن بتقدير أن يكون اللّه تعالى مسمى بالشيء كان أعظم الأشياء وأجلها هو اللّه تعالى، فامتنع أن يحصل فيه جواز التخصيص، فوجب القول بأن ادعاء هذا التخصيص محال.
الحجة الثانية : قوله تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى : ١١] حكم اللّه تعالى بأن مثل مثله ليس بشيء، ولا شك أن كل شيء مثل لمثل نفسه، وثبت بهذه الآية أن مثل مثله ليس بشيء ينتج أنه تعالى غير مسمى بالشيء، فإن قالوا إن الكاف زائدة، قلنا هذا الكلام معناه أن هذا الحرف من كلام اللّه تعالى لغو وعبث وباطل، ومعلوم أن هذا الكلام هو الباطل، ومتى قلنا إن هذا الحرف ليس بباطل صارت الحجة التي ذكرناها في غاية القوة والكمال.
الحجة الثالثة : لفظ الشيء لا يفيد صفة من صفات الجلال والعظمة والمدح والثناء، وأسماء اللّه تعالى يجب كونها كذلك ينتج أن لفظ الشيء ليس اسما للّه تعالى : أما قولنا إن اسم الشيء لا يفيد المدح والجلال فظاهر، وذلك لأن المفهوم من لفظ الشيء قدر مشترك بين الذرة الحقيرة وبين أشرف الأشياء، وإذا كان كذلك


الصفحة التالية
Icon