مفاتيح الغيب، ج ١٢، ص : ٤٩٥
عقيبها الخير والسلامة. والثاني : أنه قال في إمساس الضر فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وذكر في إمساس الخير فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فذكر في الخير كونه قادرا على جميع الأشياء وذلك يدل على أن إرادة اللَّه تعالى لا يصال الخيرات غالبة على إرادته لا يصال / المضار. وهذه الشبهات بأسرها دالة على أن إرادة اللَّه تعالى جانب الرحمة غالب، كما
قال :(سبقت رحمتي غضبي).
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٨]
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن صفات الكمال محصورة في القدرة والعلم فإن قالوا : كيف أهملتم وجوب الوجود.
قلنا : ذلك عين الذات لا صفة قائمة بالذات لأن الصفة القائمة بالذات مفتقرة إلى الذات والمفتقر إلى الذات مفتقر إلى الغير فيكون ممكنا لذاته واجبا بغيره فيلزم حصول وجوب قبل الوجوب وذلك محال فثبت أنه عين الذات، وثبت أن الصفات التي هي الكمالات حقيقتها هي القدرة والعلم فقوله وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ إشارة إلى كمال القدرة، وقوله وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إشارة إلى كمال العلم. وقوله وَهُوَ الْقاهِرُ يفيد الحصر ومعناه أنه لا موصوف بكمال القدرة وكمال العلم إلا الحق سبحانه وعند هذا يظهر أنه لا كامل إلا هو، وكل من سواه فهو ناقص.
إذا عرفت هذا فنقول : أما دلالة كونه قاهرا على القدرة فلأنا بينا أن ما عدا الحق سبحانه ممكن بالوجود لذاته، والممكن لذاته لا يترجح وجوده على عدمه ولا عدمه على وجوده إلا بترجيحه وتكوينه وإيجاده وإبداعه فيكون في الحقيقة هو الذي قهر الممكنات تارة في طرف ترجيح الوجود على العدم، وتارة في طرف ترجيح العدم على الوجود ويدخل في هذا الباب كونه قاهرا لهم بالموت والفقر والإذلال ويدخل فيه كل ما ذكره اللَّه تعالى في قوله قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران : ٢٦] إلى آخر الآية. وأما كونه حكيما، فلا يمكن حمله هاهنا على العلم لأن الخبير إشارة إلى العلم فيلزم التكرار أنه لا يجوز، فوجب حمله على كونه محكما في أفعاله بمعنى أن أفعاله تكون محكمة متقنة آمنة من وجوه الخلل والفساد والخبير هو العالم بالشيء المروي. قال الواحدي : وتأويله أنه العالم بما يصح أن يخبر به قال : والخبر علمك بالشيء تقول : لي به خبر أي علم وأصله من الخبر لأنه طريق من طرق العلم.
المسألة الثانية : المشبهة استدلوا بهذه الآية على أنه تعالى موجود في الجهة التي هي فوق العالم وهو مردود ويدل عليه وجوه : الأول : أنه لو كان موجودا فوق العالم لكان إما أن يكون في الصغر بحيث لا يتميز جانب منه من جانب وإما أن يكون ذاهبا في الأقطار متمددا في الجهات. والأول : يقتضي أن يكون في الصغر والحقارة كالجوهر الفرد فلو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون إله العالم بعض الذرات المخلوطة بالهباءات الواقعة في كوة البيت وذلك لا يقوله عاقل، وإن كان / الثاني كان متبعضا متجزئا، وذلك على اللَّه محال.
والثاني : أنه إما أن يكون غير متناه من كل الجوانب فيلزم كون ذاته مخالطا للقاذورات وهو باطل أو يكون متناهيا من كل الجهات وحينئذ يصح عليه الزيادة والنقصان. وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بمقداره المعين


الصفحة التالية
Icon