مفاتيح الغيب، ج ١٢، ص : ٥١٢
واعلم أن هذا خطأ وذلك لأن ظاهر الآية، يدل على كونهم واقفين على اللَّه تعالى، كما يقف أحدنا على الأرض، وذلك يدل على كونه مستعليا على ذات اللَّه تعالى وأنه بالاتفاق باطل، فوجب المصير إلى التأويل وهو من وجوه :
التأويل الأول : هو أن يكون المراد وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى ما وعدهم ربهم من عذاب / الكافرين وثواب المؤمنين وعلى ما أخبرهم به من أمر الآخر.
التأويل الثاني : أن المراد من هذا الوقوف المعرفة، كما يقول الرجل لغيره وقفت على كلامك أي عرفته.
التأويل الثالث : أن يكون المراد أنهم وقفوا لأجل السؤال فخرج الكلام مخرج ما جرت به العادة، من وقوف العبد بين يدي سيده والمقصود منه التعبير عن المقصود بالألفاظ الفصيحة البليغة.
المسألة الثانية : المقصود من هذه الآية أنه تعالى حكى عنهم في الآية الأولى، أنهم ينكرون القيامة والبعث في الدنيا، ثم بيّن أنهم في الآخرة يقرون به فيكون المعنى أن حالهم في هذا الإنكار سيئول إلى الإقرار وذلك لأنهم شاهدوا القيامة والثواب والعقاب، قال اللَّه تعالى : أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ.
فإن قيل : هذا الكلام يدل على أنه تعالى يقول لهم أليس هذا بالحق؟ وهو كالمناقض لقوله تعالى : وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ [البقرة : ١٧٤] والجواب أن يحمل قوله وَلا يُكَلِّمُهُمُ أي لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع، وعلى هذا التقدير يزول التناقض ثم إنه تعالى بيّن أنه إذا قال لهم أليس هذا بالحق؟ قالوا بلى وربنا المقصود أنهم يعترفون بكونه حقا مع القسم واليمين. ثم إنه تعالى يقول لهم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وخص لفظ الذوق لأنهم في كل حال يجدونه وجدان الذائق في قوة الاحساس وقوله بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي بسبب كفركم. واعلم أنه تعالى ما ذكر هذا الكلام احتجاجا على صحة القول بالحشر والنشر لأن ذلك الدليل قد تقدم ذكره في أول السورة في قوله هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا [الأنعام : ٢] على ما قررناه وفسرناه، بل المقصود من هذه الآية الردع والزجر عن هذا المذهب والقول.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٣١]
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١)
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن المقصود من هذه الآية شرح حالة أخرى من أحوال منكري / البعث والقيامة وهي أمران : أحدهما : حصول الخسران. والثاني : حمل الأوزار العظيمة.
أما النوع الأول : وهو حصول الخسران فتقريره أنه تعالى بعث جوهر النفس الناطقة القدسية الجسماني وأعطاه هذه الآلات الجسمانية والأدوات الجسدانية وأعطاه العقل والتفكر لأجل أن يتوصل باستعمال هذه الآلات والأدوات إلى تحصيل المعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة التي يعظم منافعها بعد الموت فإذا استعمل الإنسان هذه الآلات والأدوات والقوة العقلية والقوة الفكرية في تحصيل هذه اللذات الدائرة والسعادات المنقطعة ثم انتهى الإنسان إلى آخر عمره فقد خسر خسرانا مبينا لأن رأس المال قد فنى والربح الذي ظن أنه هو


الصفحة التالية
Icon