مفاتيح الغيب، ج ١٢، ص : ٥١٨
في أن ذلك المحزن ما هو؟ فقيل كانوا يقولون إنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وهو قول الحسن. وقيل :
إنهم كانوا يصرحون بأنهم لا يؤمنون به ولا يقبلون دينه وشريعته. وقيل : كانوا ينسبونه إلى الكذب والافتعال.
المسألة الثانية : قرأ نافع لَيَحْزُنُكَ بضم الياء وكسر الزاي والباقون بفتح الياء وضم الزاي وهما لغتان يقال حزنني كذا وأحزنني.
المسألة الثالثة : قرأ نافع والكسائي فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ خفيفة والباقون يكذبونك مشددة وفي هاتين القراءتين قولان : الأول : أن بينهما فرقا ظاهرا ثم ذكروا في تقرير الفرق وجهين : أحدهما : كان الكسائي يقرأ بالتخفيف، ويحتج بأن العرب تقول كذبت الرجل إذا نسبته إلى الكذب وإلى صنعه الأباطيل من القول وأكذبته إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب وإن لم يكن ذلك بافتعاله وصنعه. قال الزجاج : معنى كذبته قلت له كذبت ومعنى أكذبته أن الذي أتى به كذب في نفسه من غير ادعاء أن ذلك القائل تكلف ذلك الكذب وأتى به على سبيل الافتعال والقصد فكأن القوم كانوا يعتقدون أن محمدا عليه السلام ما ذكر ذلك على سبيل الافتعال والترويج بل تخيل صحة تلك النبوّة وتلك الرسالة، إلا أن ذلك الذي تخيله فهو في نفسه باطل. والفرق الثاني قال أبو علي :
يجوز أن يكون معنى لا يُكَذِّبُونَكَ أي لا يصادفونك كاذبا لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة كما يقال أحمدت الرجل إذا أصبته محمودا فأحببته وأحسنت محمدته إذا صادفته على هذه الأحوال.
والقول الثاني : أنه لا فرق بين هاتين القراءتين. قال أبو علي : يجوز أن يكون معنى القراءتين واحدا لأن معنى التفعيل النسبة إلى الكذب بأن يقول له كذبت كما تقول ذنبته وفسقته وخطأته أي قلت له فعلت هذه الأشياء وسقيته ورعيته أي قلت له سقاك اللَّه ورعاك وقد جاء في هذا المعنى أفعلته قالوا أسقيته أي قلت له سقاك اللَّه.
قال ذو الرمة :
وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبة
أي أنسبه إلى السقيا بأن أقول سقاك اللَّه فعلى هذا التقدير يكون معنى القراءتين واحدا، إلا إن فعلت إذا أرادوا أن ينسبوه إلى أمر أكثر من أفعلت.
المسألة الرابعة : ظاهر هذه الآية يقتضي أنهم لا يكذبون محمدا صلى اللَّه عليه وسلم ولكنهم يجحدون بآيات اللَّه واختلفوا في كيفية الجمع بين هذين الأمرين على وجوه :
الوجه الأول : أن القوم ما كانوا يكذبونه في السر ولكنهم كانوا يكذبونه في العلانية ويجحدون القرآن والنبوّة. ثم ذكروا لتصحيح هذا الوجه روايات : إحداها : أن الحرث بن عامر من قريش قال يا محمد واللَّه ما كذبتنا قط ولكنا إن اتبعناك نتخطف من أرضنا فنحن لا نؤمن بك لهذا السبب. وثانيها :
روي أن الأخنس بن شريق قال لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحد غيرنا، فقال له واللَّه إن محمدا لصادق وما كذب قط؟ ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوّة، فماذا يكون لسائر قريش فنزلت هذه الآية.
إذا عرفت هذا فنقول : معنى الآية على هذا التقدير أن القوم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون بنوّتك


الصفحة التالية
Icon