مفاتيح الغيب، ج ١٢، ص : ٥٤٢
وقيل : المراد من الغداة والعشى طرفا النهار، وذكر هذين القسمين تنبيها على كونهم مواظبين على الصلوات الخمس.
والقول الثاني : المراد من الدعاء الذكر قال إبراهيم : الدعاء هاهنا هو الذكر والمعنى يذكرون ربهم طرفي النهار.
المسألة الخامسة : المجسمة تمسكوا في إثبات الأعضاء للَّه تعالى بقوله يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وسائر الآيات المناسبة له مثل قوله وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن : ٢٧].
وجوابه أن قوله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص : ١] يقتضي الوحدانية التامة، وذلك ينافي التركيب من الأعضاء والأجزاء، فثبت أنه لا بدّ من التأويل، وهو من وجهين : الأول : قوله يُرِيدُونَ وَجْهَهُ المعنى يريدونه إلا أنهم يذكرون لفظ الوجه للتعظيم، كما يقال هذا وجه الرأي وهذا وجه الدليل، والثاني : أن من أحب ذاتا أحب أن يرى وجهه، فرؤية الوجه من لوازم المحبة، فلهذا السبب جعل الوجه كناية عن المحبة وطلب الرضا وتمام هذا الكلام تقدم في قوله وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة : ١١٥].
ثم قال تعالى : ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ اختلفوا في أن الضمير في قوله حِسابِهِمْ وفي قوله عَلَيْهِمْ إلى ماذا يعود؟
والقول الأول : أنه عائد إلى المشركين، والمعنى ما عليك من حساب المشركين من شيء ولا حسابك على المشركين وإنما اللَّه هو الذي يدبر عبيده كما يشاء وأراد. والغرض من هذا الكلام أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتحمل هذا الاقتراح من هؤلاء الكفار، فلعلّهم يدخلون في الإسلام ويتخلصون من عقاب الكفر، فقال تعالى : لا تكن في قيد أنهم يتقون الكفر أم لا فإن اللَّه تعالى هو الهادي والمدبر.
القول الثاني : أن الضمير عائد إلى الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، وهم الفقراء، وذلك أشبه بالظاهر. والدليل عليه أن الكناية في قوله فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ عائدة لا محالة إلى هؤلاء الفقراء، فوجب أن يكون سائر الكنايات عائدة إليهم، وعلى هذا التقدير فذكروا في قوله ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قولين : أحدهما : أن الكفار طعنوا في إيمان أولئك الفقراء وقالوا يا محمد إنهم إنما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لأنهم يجدون بهذا السبب مأكولا وملبوسا عندك، وإلا فهم فارغون عن دينك، فقال اللَّه تعالى إن كان الأمر كما يقولون، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر وإن كان لهم باطن غير مرضي عند اللَّه، فحسابهم عليه لا زم لهم، لا يتعدى إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعدى إليهم، كقوله وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام : ١٦٤].
فإن قيل : أما كفى قوله ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى ضم إليه قوله وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ.
قلنا : جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة قصد بهما معنى واحد وهو المعنى في قوله وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعا، كأنه قيل لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه.
القول الثاني : ما عليك من حساب رزقهم من شيء فتملهم وتطردهم، ولا حساب رزقك عليهم، وإنما