مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ١٩٨
فأجاب مثبتو القياس : بان الآيات والأحاديث والإجماع لما تعاضدت في اثبات القياس قويت القوة وحصل الترجيح. واللّه اعلم.
المسألة الثالثة : الحشوية الذين ينكرون النظر العقلي والبراهين العقلية تمسكوا بهذه الآية وهو بعيد لان العلم بكون القرآن حجة موقوف على صحة التمسك بالدلائل العقلية فلو جعلنا القرآن طاعنا في صحة الدلائل العقلية لزم التناقض وهو باطل.
المسألة الرابعة : قرا ابن عامر قليلا ما يتذكرون بالياء تارة والتاء اخرى وقرا حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالتاء وتخفيف الذال والباقون بالتاء وتشديد الذال. قال الواحدي رحمه اللّه : تَذَكَّرُونَ أصله تتذكرون فأدغم تاء تفعل في الذال لان التاء مهموسة والذال مجهورة والمجهور أزيد صوتا من المهموس فحسن ادغام الأنقص في الأزيد وما موصولة بالفعل وهي معه بمنزلة المصدر فالمعنى : قليلا تذكركم واما قراءة ابن عامر يتذكرون بياء وتاء فوجهها ان هذا خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اي قليلا ما يتذكر هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب واما قراءة حمزة والكسائي وحفص خفيفة الذال شديدة الكاف فقد حذفوا التاء التي ادغمها الأولون وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة واللّه اعلم. قال صاحب «الكشاف» : وقرا مالك بن دينار ولا تبتغوا من الابتغاء من قوله تعالى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً [آل عمران : ٨٥].
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤ إلى ٥]
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥)
[قوله تعالى وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً] اعلم انه تعالى لما امر الرسول عليه الصلاة والسلام بالإنذار والتبليغ وامر القوم بالقبول والمتابعة ذكر في هذه الآية ما في ترك المتابعة والاعراض عنها من الوعيد وفي الآية مسائل :
المسألة الاولى : قال الزجاج : موضع كَمْ رفع بالابتداء وخبره أَهْلَكْناها قال : وهو احسن من ان يكون في موضع نصب لان قولك زيد ضربته أجود من قولك زيدا ضربته والنصب جيد عربي ايضا كقوله تعالى : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر : ٤٩].
المسألة الثانية : قيل : في الآية محذوف والتقدير : وكم من اهل قرية ويدل عليه وجوه : أحدها : قوله :
فَجاءَها بَأْسُنا والبأس لا يليق الا بالأهل. وثانيها : قوله : أَوْ هُمْ قائِلُونَ فعاد الضمير إلى اهل القرية.
وثالثها : ان الزجر والتحذير لا يقع للمكلفين الا باهلاكهم. ورابعها : ان معنى البيات والقائلة لا يصح الا فيهم.
فان قيل : فلما ذا قال أهلكناها؟ أجابوا بانه تعالى رد الكلام على اللفظ دون المعنى كقوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ [الطلاق : ٨] فرده على اللفظ ثم قال : أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ [الطلاق : ١٠] فرده على المعنى دون اللفظ ولهذا السبب قال الزجاج : ولو قال فجاءهم بأسنا لكان صوابا وقال بعضهم : لا محذوف في الآية والمراد إهلاك نفس القرية لان في اهلاكها بهدم او خسف او غيرهما إهلاك من فيها ولان على هذا التقدير يكون قوله : فَجاءَها بَأْسُنا محمولا على ظاهره ولا حاجة فيه إلى التأويل.
المسألة الثالثة : لقائل ان يقول : قوله : وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا يقتضي ان يكون الإهلاك متقدما على مجيء البأس


الصفحة التالية
Icon